الأربعاء، ٣ ربيع الأول ١٤٣١ هـ


"غداً سأموت , فهل ينضمون الى قبري؟

"سيغضب ابي ويشعل علبة سجائره كلها امامي ويثور ويصرخ الى ما لانهاية ، ستلومني امي وتخاصمني ، سيحضر جدي عصاه ان كان لازال على قيد الحياة ويهيئ حفلة لضربي رغم اني حفيدته المدللة ، وتلتهمني الجارة القريبة كوجبة فطور دسمة في احاديثها وتنحرني على سيوف نميمتها ، وتنهض الجارة البعيدة من قيلولتها والتي لا اعرف اسمها حتى ، كي تضيف بعض البهارات الحارة على طبختها الدسمة كي تبدأ بتصدير منتوجها الفاخر ، وقد يحمل إمام البلد كتبه ناسياً تمشيط لحيته لشدة غضبه ويهم بالقدوم الى بيتي كي يكتمل مسلسل التحريض الازلي علي ، وليس هذا فحسب ، بل جميعهم سينصبون انفسهم آلهة تأمر بقتلي .. وكل هذا لمَ ؟ لأنني اريد ان اكون انا ، بفكري ، علمي ، لباسي، فني ، ورأيي .."

سألتُها :" إذن ، انت خائفة ، هل تخشين الموت؟"
قالت : " لا..لا ، بل اخشى الظلم ..!"
•- " وما هو الظلم برأيكِ ؟"
قالت :
"أن لا افعل ما اشاء وقتما اشاء وكيفما اشاء ، ان انهض في ساعة محددة وأنام في ساعة محددة ، ان آكل ما لا احب ، وألبس ما لا يعجبني ، وأصادق اشخاصاً من طائفتي لا غير ، ان اقول نعم على كل شيء ولا اجرؤ على نطق لا ، ان اظل محتملةً وزر الخطيئة الاولى على جسدي ثمناً للحماقة ، ان ادرس في جيل محدد واتزوج في عمر حددوه مسبقاً ، الظلم يا آنستي ان لا افكر ولا أشك حتى بوجود الاله نفسه ..ألم يبنِ ديكارت منهجاً فلسفياً كاملاً حول ذلك ؟
ألم يقل انك إن اردت ان تبحث عن الحقيقة فعليك ان تشك في كل شيء ؟ وتتوقف عن التقليد وتتحرر من القيود كي تميز بين الزائف والحقيقي ؟ وان تستعمل عقلك وحواسك ايضاً وتفكر وتتأمل ؟
الظلم يا آنستي هو ان لا اسأل المعلمة في الصف كيف ومتى ولماذا ؟ورجل الدين بأين هو اثباتك ؟ وكيف تكون متأكداً من معلوماتك ؟ ان اسجن كل عمري في بلدٍ ما دون التفكير بحمل حقيبتي واكتشاف العالم ، الا يحق لنا اكتشاف كوكبنا الذي نعيش عليه؟
الظلم ان ابتعد مجبرةً عن كل ما اجده ممتعاً وجميلاً فقط لأنهم يريدون ذلك ..
•- قلت :
" إذن انت توافقينني على ان " الاشياء الحلوة تجهض لأن كل اجهاض هو نتيجة حمل خارج رحم المنطق " ؟

•- نعم ..أجل ، ولكن ما هو المنطق ؟ انظري حولك ، هل يبدو لك أي شيء مما يجري حولك في العالم منطقياً ؟ بل يصح ان نسميه وهماً مفروضاً لا اكثر ولا اقل ..
•- إذن ، عزيزتي حتى متى تظلين معذبة ، وترددين بأن حياتك سجنٌ كبير تموتين داخله رويداً رويداً ؟ لماذا لا تحلقين ؟ لماذا تخشين التحليق حتى بمجرد حلم ؟ إن اجمل الطرق لاستيعاب الحياة هي في التمرد على موقعك الدائم وكرسيك الصغير حتى لو اضطررت للوقوف على رأسك وخسرت كل ما اعتقداه يوماً انه اعمدة حياتك وثوابتها !

ثوري ..ثوري ، ما فائدة البشر من حولك ان قيدوك وربطوك بسلاسلهم واسندوك مرغمةً الى جدار وهمي لا وجود له الا في عقولهم المتحجرة ؟ ماذا تجنين إن ربحت العالم وخسرت نفسك وأناك ورغباتك الدفينة ؟ ما معنى ان تعيشي كل حياتك ظناً منك ان كل ما لقنوك اياه منذ الصغر هو الصواب ، وان كل ما تقولينه وتؤمنين به هو الخطأ ؟ هل الكم هو من يحدد لنا ما هي الحقيقة ؟ هل لأنها اكثرية يجب ان تسجدي لها ؟ لم َ لا تفتحين عينيك ؟ لمَ لا تفكري ؟ هل حقاً كل ما جاء في كتب التاريخ صحيح ؟ ام ان التاريخ كُتبَ دوماً بيد المنتصر ، فصاغه كيفما شاء ؟
ماذا سيحصل لو فكرت بصوت مرتفع وأسمعت صوتك لكل العالم؟ ما الذي ستحصلين عليه ان ظللت صامتة سنيناً وطأطأت رأسك ؟ هل سيتغير العالم ؟
هل تنتظرين الميت كي يخرج من قبره ويعيد لك ترتيب الافكار والايام لك من جديد ؟
ما معنى ان يسجن المرء نفسه في قفص ارادي اسمه " إرادة الآخرين " ؟
لماذا تصرين على العيش تحت أشعة حمراء مزيفة؟ ألأنك كنت صفحة ورسموا عليك كل خربشاتهم وأوهامهم وتعقيداتهم ، وأنت رضيت ان تكوني نصاً مهترئاً تافهاً لا معنى له ، ولم يعد صالحاً حتى للتداول بين قطط الشوارع فحتى هذه عندما تحس بالضجر او الاجبار تحاول التملص واللجوء الى مكان اخر وفسحة مريحة تستطيع التنفس بها دون ان يزعجها احد ، فإذا ما كتب على الانسان البحث عن راحته و " هداة باله " فإذن سيظل مسافراً من محطة الى اخرى كل العمر ، ولا بأس ..لا بأس بذلك ، لكن ان يظل واقفاً مكانه ، فهذا ما لا يقبله عقل او قلب !

لا تمضغ رأيك او تدفن حزنك داخل روحك كل العمر ، فلتغنِ بصوتٍ عال حتى لو نشاز ، ولتفرش فرشة على الرصيف لتشعري بديناميكية الحياة البسيطة ، حتى متى ستظلين صنماً وتسمحين للآخرين بزج انفهم الافطس بكل شيء بحياتك ، واسألي نفسك :
"اذا رضيتُ ان اعيش بحسب قوانين الأعراف وقواعد المسموح و الممنوع ورأي الناس ، هل يا ترى عندما اموت غداً سينضمون الى قبري؟"
بصراحة ؟!
هذا الحوار دار بيني وبين نفسي .."فاعذروني إن نزفتُ بروقاً / يكتب الحر رأيه بالأظافر "!

جارتي عاهرة !

مذ فارقتني روحه الطاهرة ، بتُّ مدمنةً على استنشاق الوحدة ، بل وافرضها على دفاتري لتتلو بنبض سطورها آيات العزلة ، وترتل غربتها ترتيلاً جديداً لم اعرفه من قبل !
لقد كان صديقاً حميماً وحبيباً متلهفاً قبل ان يكون زوجاً مخلصاً ومحباً ، لكن يد القدر طائلة فقد استطاعت سرقته حتى حين كانت باقة التوليب نائمة على ذراعيه ، ولم تستفق إلا على كتف سيارةٍ مجنونة لُقنت لعبة الموت بسهولة ، فنام نومته الابدية وولى توليب حياتي معه !
يا لوقاحتها حقاً !
فأنا اضاجع حزني واستمرئ دموعي كل يوم ، وهي تضاجع عشرات الرجال في يومٍ واحد ، حتى انها لا تحاول اخفاء الامر ، فتثقب اذني بأصوات تعاركهم فوق السرير ليل نهار ..ثم الا تتعب ؟
وما بهم هؤلاء الحمقى ..فكيف يستطيعون الوصول الى تلك النشوة مع جسدٍ يدفعون لقاءه ؟
لا اعرف لماذا استأجر زوجي " رحمه الله" هذه الشقة؟ والى جانب هذه العاهرة تحديداً ، أتراه لم يكن يعرف بأمرها منذ البداية؟ ام انه كان احد زبائنها ؟ لا لا ..حاشا وكلا ..كيف يمكنني ان افكر بذلك ولم تمضِ على وفاته سنتان بعد..(صحيح اني قليلة اصل ) !

أذكر انه - رحمه الله- كان كريماً ، عطوفاً ، حتى انه كان يقيم مأدبة عشاء فاخرة للفقراء والمحتاجين في نهاية كل اسبوع ، ورغم امتعاضه الشديد من جارتنا هذه ، الا انه كان يدعو لها بالصلاح دوماً ، لكنني استغرب امرها كثيراً فهي لازالت شابة يافعة وجميلة وتستطيع البحث عن أي عمل آخر ، فلمَ اختارت ان تبيع جسدها بإرادتها (للي يسوى واللي ما يسوى ).. يبدو انها تبحث عن الكسب الوفير والسريع !
لكن وحتى لو كان كذلك ، فهذا ليس سبباً مقنعاً لتدوس على شرايين كرامتها في كل مرة تأوي الى الفراش مع احدهم !
ويا للعجب ..فكيف يختلف مفهوم الوقت بيننا ؟
فها هي تتجول في رحاب ايامها بين السرير والهدايا ، وتتناول الطعام في افخم المطاعم ، وترتدي افضل الماركات العالمية ، ويوماً تراها عائدة من باريس ، ومن روما في يومٍ آخر !
وحقاً انه لأمر مثير عندما ترتقي الاقنعة المزيفة بنا الى سماوات براقة وفسحات ارضية ملونة احياناً !
وبينما " هي" تعيش الحياة بطولها وعرضها في معظم الوقت ، فأنا اموت كل الوقت .. فمن يوم رحل مرغماً قبل اكثر من سنة وغدوت ارملةً في الثلاثين ، ارتدت روحي ملابس الحداد ، وراح فؤادي يتجول كل ليلةٍ بين قبور الذكريات ، فأدمنت كل طرق الهرب المشروعة وغير المشروعة لأنام ثملةً بعد عراكٍ طويل مع النفس والنجوم والجدران !
وحتى عندما يتنفس اليوم التالي فإني لا ابصر أي خيط من خيوط الشمس ، ستائري مغلقة دوماً ونوافذي تبتلع ضوء النهار كثقبٍ سوداء استبد بها نظامٌ ارضي اوتوماتيكي لسلب الحيوية من وجه الايام التي تمر كئيبة في قطار حياتي الذي يسير بسرعةٍ دون التوقف في أي محطة ، ولأي سبب كان !
البارحة فقط استطعت الخروج من باب الشقة والوقوف في الممر نفسه الذي يؤدي الى شقتها ، وبينما هبت نسمة النشوة لتذكري قبلته عند كل صباح ، استوقفني مشهد احدهم وهو يهرول الى شقتها بكل شهوته العطشى ، ورغماً عني فقد استطعت احصاء دخول اكثر من ثلاثة رجال اليها دفعة واحدة ، وقد لمحتها اكثر من مرةٍ متبرجةً وعارية ، تفتح الباب وتغلقه بكل قلة ادب ، حتى اني خجلت من نفسي وعدتُ الى ايوان شقتي العنُ كل القيم والمثاليات ، فأسب اخلاصي والمي معاً ، حتى فاجأتني انهار البكاء بفيضانها فوق وجنتي ، فبعده لم استطع ان ابدأ من جديد..
نظرتُ الى غرفة نومي البائسة بعد ان شربت كأسين من الويسكي وقررت اني لن ابرج واجمل وجه ليالي السوداء ، فهي ستمر شاءت ام ابت ، بصعلكتها او بأدبها ، ولمَ قد اتعب فقد صرت احس اني حفنةٌ من الغبار فوق هذا السرير ..

لقد ظللتُ اياماً بلياليها اغار من جارتي تارةً والومها تارةً اخرى ، فأتصارع بيني وبين نفسي في حلبة المسموح والممنوع ، والحلال والحرام ، فلا اعرف من الذي يكتب ..انا ام الحيرة نفسها هي التي تكتبني ؟
ورغم ان الساعة التي اكتب امامها عادةً كانت تتذمر من بطء مرور دقائقي قبل ان تحين لحظة ولادة النص ، فتلومني وتظل تنقر نقراً رهيباً بعقاربها فوق رأسي لتحرق اعصابي وافكاري معاً ، الا انها اجبرتني اليوم وبعد صراع اسبوعٍ كامل على حملها ورميها من الشباك ، والغريب اني سمعت تكسر عظامها ولم اسمع منها أي صراخٍ او شكوى ..فهل تراه الوقت يسخر منا بعدوه الدائم دون توقف؟ ومن منا الذي يلحق بالآخر؟
أما الآن ..فها انا اجد نفسي اكتب فوق الرصيف المحاذي لشقتي بعد ان طردتني صاحبة البيت بسبب شكاوى الجيران مني لسأمهم من نوبات جنوني الليلية ، ويا للعجب فقد طُردت جارتي لتلويثها سمعة الحي بأكمله كما ادعت صاحبة البيت ..وعندما سألتها عن السبب قالت :" كل هذا حصل ، لأنني كريمة واستقبل ضيوفي بحفاوة ، يا لهذا التخلف ! يبحثون عن قيم في عصرٍ مادي قتلنا القيم به خنقاً وبأيدينا ..فهل تدعين قلمك الاحمق وتأتين معي؟"
نظرتُ اليها باستغراب شديد ، حملتُ حقائبي ولوحت بيدي : تاكسي..تاكسسسسسي !

الاثنين، ١ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

خذني معك

خذني معك
لجمهرةٍ من الألحان السعيدة
تتلوها الليالي..
من كتاب هواك
ودنيا من الحب..
ترسمها على جسد حياتي..
من رقة إصبعك!
خذني معك..
لأرضٍ تخلو من..
ظلم الأحبة..
وغدر الزمان..
ونفاق ذوي اللحى الطويلة..
وثغاء الجارة كل صباحٍ
وبخور أم حمدان
خذني معك..
لبلاد لا تبكي فيها..
عروبة الرابية..
لا…ولا تشتعل الدموع
بورود عيونٍ..
لحبيبة فقدت حبيبها..
حتى صارت حرائقها..
كالثيران تهيج كل ليلةٍ..
تدور في ساقية!
خذني معك..
لذاك الكوكب الأخضر..
الخالي من عهر القبيلة..
ودم السلالة المزيف..
تعال نرحل..
بنهدٍ يبسم مع نبضك..
وقبلةٍ من شفتي امرأة مثلي
تتسلق كاللبلاب ..
ارض خصرك !
خذني..خذني
من روحي المعذبة..
هذه التي لا تنام..
تثمل أحزاناً..
تغرق اياماً..
مع طيف حبيب..
من صوان
فأنا سئمت حروباً..
تدور على أصابعي..
من ظلال يديه
تقصفني..
حتى تفوح مني ..
كل ليلة..
رائحة احتراق الخيزران
" أريد أن انظف روحي"
من حرارة الصواعق..
من بارود جروحي..
وسوى ياقة قميصك..
لا اعرف دروباً
فهل تأخذني لأعيش بسلام؟

" الأمل هو حلم يمشي"

عندما تثاءبت الارضُ البارحةَ وغرقت بغروبٍ حزين ، بدت فناجين قهوتي من حولي مفزعةً كوجوه المجانين في ساعة غضب ، ورأيتُ بعض ملامح رفاقي الميتين ، فما قرأته من دراسات حديثة والتي تشير الى ان نصف مليون شخص يموتون سنوياً نتيجةً للانتحار ، كان سبباً كافياً لدب الرعب بين سطور اوراقي ، وتحرك اسطول الكلمات من ميناء تساؤلاتي ، فلمَ يقرر انسانٌ يتعمد بنور الشمس يومياً ان يترك هذه النعمة ليسكن وحيداً في ظلمةِ القبر الموحش ؟ ولمَ لا تقرر وردة ما ان تنتحر مثلاً ؟ فما ينزل على رأسها من كوارث بيئية لهو اشدُّ الماً مما قد يجول بخاطر أي انسانٍ من همٍ وحزنٍ وكدر !طرزتُ من الحيرةِ والتساؤلات كنزةً من الخربشات حتى امزقها بعد ذلك،فلعل شبح الكتابة يغيب عني..الا انني ذهلت لاكتشافي بأن هذه الكنزة لبست تفكيري وروحي معاً بدل ان البسها انا او حتى امزقها !وتذكرتُ ما قاله فرويد حينما عرف الانتحار على انه توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته ، وقلتُ : " إذن ، لا عجب بأن يفكر أي احدٍ منا بالانتحار ذات يوم فقد يواجه ازمةً ليغدو مضطرباً ويفقد التوازن بين عالمه الواقعي وعالمه المنشود ، فقد يقرر ان يستقيل من هذا الكون بمحض ارادته كما " خليل حاوي" مثلاً ، ولتقديم هذه الاستقالة قد تكون هنالك دوافع عدة ، فهذا ينتحر بسبب فقدانه لمركزٍ مرموق ، وذاك يرحل نتيجةً لفقره المدقع ، وتلك تقرر ان ترمي بنفسها من الطابق العاشر لأن حبيبها قد هجرها.." تعددت الاسبابُ والموت واحدُ " ، لكن الغريب بالأمر هو ان عدد المنتحرين في ارتفاعٍ مستمر ، فهل وصلنا الى مرحلةٍ من الأسى والعجز الانساني يصعب العودة منها ، الهذا الحد أضحت الحياة سخيفةً ورخيصة ؟وهل هذا ما دفع الكاتبة والرائدة في الحركات النسائية في بريطانيا " فرجينيا وولف " الى الانتحار؟ أكانت مقتنعة بعدمية جدوى الحياة وعبثيتها؟لا ادري لماذا تعود بي عجلات الذاكرة مسرعةً نحو ايام صعبة قضيتها قبل فترة، لأتذكر فجأة اني اردت ان تكون كل ايامي ترنيمة فرحٍ وان تبتسم لي كل ورود الحديقة وحتى القطط في الشوارع !لكنني مررت بحالةٍ من الاحباط والكآبة جعلتني افقد الرغبة بفعل أي شيء باستثناء اوكسجيني المعتاد – القراءة- ، حتى وقعت رواية " السجينة" للكاتبة ميشيل فيتوسي " بين يدي والتي تحدثت خلالها عن عائلة " مليكة اوفقير " والتي سجنت وعائلتها بغرقٍ مظلمة تحت الأرض بسبب محاولات الانقلاب التي قادها ابوها ضد ملك المغرب " حسن الثاني " حيث عاشوا بين الفئران والحشرات ..بأقسى الظروف المعيشية مدة عشرين عاماً !وكل احداث الرواية الواقعية لا تساوي شيئاً امام حقيقة هروب العائلة التي لم تكن سوى نتيجة حفرهم لأنفاقٍ متواضعة ببعض الملاعق وأغطية علب التونة التالفة !وخلال قراءتي لهذه الرواية واطلاعي على ما تحتويه من تراجيديا انسانية وجدت انني بتُّ اخجل من نفسي ، فما هي تلك المشاكل الصغيرة التي قد تلقي بأغطية الكآبة على فِراش حياتنا؟ فلماذا لم تنتحر " مليكة" مثلاً وهي التي قتل ابوها بخمس رصاصاتٍ فأردته قتيلاً وسجنت تحت وطأة التعذيب والحرمان ، وكيف لم تفقد الامل خلال كل هذه السنين؟أجل ، هي ايقنت انها " اذا آمنت بالشيء ايماناً مطلقاً فسيتحرك نحوها " ولذا فقد استطاعت الهروب مع عائلتها والبدء من جديد.لم تكن هذه الرواية المميزة وحدها هي التي اثرت في من بين عشرات وعشرات الروايات التي قرأتها لكنها كانت من اكثرهم تأثيراً فقد استطعت استعادة توازني لأن الحياة تحتاج مجهوداً ذهنياً كبيراً وباستطاعة كل فردٍ منا ان يحول الالم واليأس الى املٍ وحرية ، وقد يكون "ريتشارد نيكسون" اكبر مثال على ذلك ، فقد بدأ حياته كعاملٍ في محطةٍ للبنزين لكنه كان يحلم بالعظمة والنجاح دائماً ، فالتحق بالجامعة وتخرج من كلية الحقوق حتى بات من انجح المحامين في الولايات المتحدة الأمريكية ، ليغدو في نهاية الامر رئيساً لأقوى دولة في العالم ، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على قوة الإرادة والتكتيك الذكي .إن الروايات عديدة والامثلة كثيرة على مر التاريخ ، وكلها أدلة وبراهين على جمال وروعة الحياة نفسها ، وقد يكون العالم بات مجموعةً من النظريات المتناقضة التي تحكمها المصالح ، ليكون جيبك او حسابك المصرفي هو سيدك بها ، ولهذا ربما اضحت الحياة من اسخف ما يكون لدى الكثيرين ، نتيجة لقسوة ومرارة الحصول على لقمة العيش !لكن ، مهما كانت الحياة قاسية وصعبة سيكفيك انك انسان يحمل بين ضلوعه فؤاداً ينبض بالحياة والحب والطموح ، وكما قال الفيلسوف الاغريقي " ارسطو " : " يبقى الامل حلماً يمشي ويمشي ويمشي .."

الأحد، ٣٠ صفر ١٤٣١ هـ


الكتابة قادرة على فضح جرائم وأحداث لم تفضحها الصورة بعد!

الجمعة, 10 أفريل/أبريل 2009 بسام الطعان


كاتبة فلسطينية شابة، من مواليد 1987 ، تدرس الصحافة والإعلام كلية غور الأردن – إحدى فروع جامعة بار ايلان، عملت كمراسلة لشؤؤن عرب 48 لجريدة الأخبار المغربية وأيضا عملت كمذيعة لبرنامج ليلي في إذاعة الشمس الوطنية وكمعدة للتقارير الصحفية الأسبوعية، في بداية دراستها لهوايتها الطرب الأصيل،تكتب القصة القصيرة والمقالات الأسبوعية بالعديد من الصحف والمواقع العربية والمحلية وهي بصدد إصدار مجموعتها القصصية الأولى رغم ما يثار حولها من زوابع وأعاصير، فهي تعتبر كاتبة جميلة ومتمردة على كل الموروثات الثقافية والتقاليد العربية وتعمل على إصدار كاسيتها الغنائي الأول وكتابها أيضا، وبرنامجها التلفزيوني الفريد من نوعه والذي ستبثه على احد المواقع الالكترونية بعد رأس السنة الجديدة، تعرف بالذكاء والعفوية والنضوج الفكري وخفة الدم !
* كيف جئت إلى عالم الكتابة وكيف ترينه؟
- بصراحة، لستُ أنا من جاء إلى عالم الكتابة بل الحقيقة هي أن الكتابة هي من جاءت إلى بل واحتلتني أيضا ، ولكن حدث ذلك صدفة حينما كنت اشرد منذ صغري وأتأمل كثيرا فأبدأ الكتابة أثناء الدروس والحصص المدرسية، غير أن الألم الذي استبد بي بعد وفاة جدي الذي رباني ورعاني في صغري ، كان الدافع الأقوى قبل سنوات لأُعمق تجربتي أكثر فأكثر ، أما فكيف أراه..فهو بالنسبة لي حضن دافئ …لحظات تحرير الألم… مسرح جريمتي وملجأي الآمن الوحيد بنفس الوقت، ولا أرى الكتابة سوى محاولة لجعل العالم أجمل… محاولات للتغيير، وما الكتابة بنظري سوى استمرارية للإنسانية والحضارة البشرية، وأخشى على العالم إذا ما فقد إنسانه القدرة على الكتابة أو التخيل حتى !!
* من يقرأ كتاباتك يعيش التمرد والحزن، وبسرعة يتساءل لماذا هذه الكاتبة متمردة وحزينة؟
- هذا جيد ان من يقرأني يستطيع أن يعيش حالة التمرد، يسعدني ان لدي القدرة على أحياء حالة الهيجان والتمرد بالنص واعتقد ان حالة التمرد التي تتحدث عنها لدي تستمد نبضها من واقع حياتي فأنا بطبعي وبحياتي العادية ارفض “الموجود والموروث والمسلمات ومعدات الخدر”، لا أؤمن بالقيود، وربما أتعرض دائما للمضايقات والملاحقات وحتى النقد أحيانا بسبب هذا التمرد، غير أني راضية ولا آبه كثيرا، فلكل إنسان الحق باختيار نمط حياته، وكل كاتب يملك حريته المطلقة بفكره ونصه على حد سواء ، أما عن الحزن، فأنا أحاول دوماً إخفاء ذلك بصراحة ، ولكني أجد أن حساسيتي البالغة ومشاعري تفوقان مشاعر أي إنسان قد صادفته حتى الآن، لذا فانا احزن حتى لذبول الوردة في الشتاء ، وعلى ما يبدو فاضطهاد بلدي لي بسبب أفكاري المتمردة ومحاولات الإيذاء الكثيرة قد ولدت عندي نوع من الحزن الداخلي العميق، وطبعا لا استثني بعض التجارب الشخصية الصعبة التي مررت بها رغم صغر سني نسبيا، ثم كيف تريدني أن افرح يا عزيزي؟ والحزن ينخر حتى برغيف الخبز الفلسطيني وكيف سنفرح وهنالك مئات المظلومين والجرحى والأسرى والقتلى من حولنا ؟
* ما الذي يمنحك الحافز لإنجاز نص جديد؟
- هنالك عدة حوافز، وقد استمد إيحائي أو إلهامي حتى من مجرد لحن عابر، والغريب بالأمر أن لحظة الكتابة هي كلحظة ولادة الطفل والذي ترافقه الآلام والآمال معا، فهي لحظة لا نستطيع إيقافها وكأن هنالك بركان شعوري فكري لن يهدأ قبل ان ينفجر فوق الأوراق، وكل شيء من حولي بمثابة حافز، ولكن وعلى ما يبدو فان الألم هو أقوى الحوافز والدوافع لانجاز نص ما لدي، فإذا لم أتعذب أو حتى ابكي فلا اكتب !
* ما هي أمنياتك وأهدافك وما أهم قناعاتك التي تدافعين وتكتبين عنها ؟
- هنالك العديد من الأهداف والأماني التي أحاول أن أحققها من خلال الكتابة، فانا اطرح كل ما أؤمن به خاصة على الصعيد الشبابي فقد بتنا نرى وللأسف ان شبابنا رغم اعلمه ودخوله الجامعات لهو شباب لاهٍ، ضائع وتهمه الصورة والقشور، فنجده يولي مبتعداً عن الثقافة وكأنها شيء هامشي، أنا أحاول زرع روح النهضة والتحرر وردم العديد من عاداتنا وتقاليدنا البائسة خاصة تلك التي تخص المرأة ..أحاول أن أنادي بأعلى صوتي بالابتعاد عن الطائفية خاصة أن أعداءنا يتلذذون بشوينا باللحظة التي نختلف بها، وبصراحة يهمني جدا نشر أسس الأممية والابتعاد عن الأطر الدينية التي تقيد حريتنا كبشر، وهذا كله بالإضافة إلى إلقاء الضوء على العديد من مشاكلنا الاجتماعية، الفكرية والسياسية التي لا بد ان نفكر بها جدياً اكثر من أي وقت مضى …
* هل تستطيع الكتابة ان تفعل شيئاً في ظل الظلم والحصار والقتال المجاني ، أم أن هذا ليس دورها؟
- انه دور ها بعينه، فباستطاعة الأدب حمل القضية على أكتافه سنينا دون أن يتعب، فالكتابة قادرة على فضح جرائم وأحداث لم تفضحها الصورة بعد، وصحيح أن هنالك سلسلة من المشاكل التي قد ترافق الكتابة، إلا إننا لا نستطيع تجاهل أن التطور التكنولوجي والإنترنت… قد سهل الأمر على الأدباء، للكتابة دور كبير في توثيق الأحداث والجرائم على مدى الأيام ولكن دورها الأكبر يكمن بزرع الأمل في النفوس وإيصال الصوت المظلوم لكل من لم يسمع بهمه بعد !
* الأديب هو حنجرة الحقيقة والعصر، وأية عزلة عن مصادر إلهامه تؤدي بموهبته إلى العقم، لهذا لا يمكن للكاتب إلا يعي مشاكل مجتمعه الاجتماعية والسياسية ، ماذا تقولين في ذلك؟
- هذا صحيح فالأدب هو مرآة عصره، والصعوبة لدى الأدباء تكمن بمواكبة كل ما هو جديد على الساحة، والأصعب من ذلك هو ان يكون له خط وأسلوب يميزه وحده، لذا فالقراءة والمواكبة مهمة جدا، ولكن الأهم أيضا هو ان يستطيع الأديب دوما المحافظة على إشباع حياته الروحية، وان يكون حر بحياته وكتاباته على حد سواء، فالموهبة وحدها لا تكفي لبلوغ الهدف وإيصال الفكرة ، فالموهبة بحاجة إلى صقل ومتابعة !وإذا لم يكن الأديب قادرا على فهم مشاكل مجتمعه بحذافيرها وقادرا أيضا على عرضها وإيصاله للناس فكيف سيصدقه القارئ ويشعر بمرارة حبره؟
* كيف ترين واقع القصة القصيرة في فلسطين؟ افقها؟ ومدى ملائمتها لحركة الحياة العاصفة؟
- القصة القصيرة في فلسطين مرت بالعديد من التغييرات، فقصة سميرة عزام تختلف عن نجاتي صدقي والأسلوب يختلف عن غسان كنفاني لكن واقع الحال واحد، فكلنا يعلم أن فلسطين تأثرت دوما بالمشاكل السياسية عامة والاقتصادية خاصة، وواقع حالها جيد نسبة إلى وضع القصة في باقي البلاد العربية، فرغم كل شيء استطاعت القصة لدينا بالخروج بعض الشيء من عباءة الحاكم، وشتمت المحتل في عقر داره، لكن بالمقابل تحتاج القصة الفلسطينية اليوم لنوع من الإثارة والتحرير والخصوصية.
* كيف تفهمين القصة القصيرة وما هي شروطها لتكون ناجحة؟
- أنا أجد أن القصة القصيرة عبارة عن موقف حياتي قد يكون متخيلاً وقد يكون واقعيا اثر بنفس الكاتب فصاغه على شكل قصة كثيفة المعاني ومقتصدة اللفظ، لكن أهم شروط نجاحها حسب رأيي هو صدق اللغة والوصف الدقيق للإيحاء والحدث مما يعطي انسيابية المعاني والسرد .
* ما المطلوب من المرأة الفلسطينية كمبدعة وسط ما يجري، وهل من ظلم يلحقها كمبدعة؟
- المرأة الفلسطينية المبدعة مناضلة من الدرجة الأولى ، فهي الأم والزوجة والأخت والحبيبة معاً، والمبدعة مطالبة باستيعاب الجرائم اليومية ، مطالبة بالاتحاد مع ضميرها ومع أبناء شعبها مطالبة بنقل الصورة كما هي، أي أن مصاعبها تكمن بفهم العام وشرحه ثم التطرق إلى الخصوصيات وهذا ليس بالأمر السهل ، فالظلم الذي يلحق بها أنها مضطرة بالتضامن مع الألم قبل أن تفكر بالكتابة عن ذاتها وأفكارها وأحلامها!* فلسطين كوطن بزمانه ومكانه، ما حجمه بكتاباتك الإبداعية؟
- أولا فلسطين حاضرة في دمي وقلبي دوماً، وهي تنبض في أرواحنا، لكني ابنة الجليل ووضعنا كعرب 48 .. عرب الداخل هو وضع معقد وصعب للغاية فبه نتنازع على الولاء لشعبنا من جهة وعلى هويتنا العربية من جهة أخرى بالإضافة إلى دفاعنا عن حقوقنا كأقلية في ظل دولة يهودية وأحاول أن اشمل كل هذه الأمور من خلال كتاباتي خاصة بقصصي ومقالاتي الأسبوعية في جريدة “كل العرب” ومواقع الصحف المختلفة، فقد كتبت عن المخيم والطفل الفلسطيني ومشاكل الفتاة الفلسطينية المعاصرة، واعتبر نفسي لم اكتب شيئا بعد، فانا بصدد طباعة اول مجموعة قصصية خلال هذه السنة.
* كامرأة مبدعة، هل مسموح لك الاقتراب من الثالوث المحرم، ام ان الرقيب والمجتمع لا يسمحان بذلك؟
- أولا من أهم معاني الإبداع هو حرية الفكر ، فإذا لم يكن الكاتب شجاعا ومتمردا خصوصا الفتاة فلا حاجة لان تكتب فإما أن تعبر وأما لا، أما عن ثالوثك المحرم دين- جنس- سياسة فللأسف نحن شعب نثلث ونربع ونسدس أيضا لكن سؤالي بسيط ، من هذا الذي حرم الكتابة بهذه الأطر؟ وما مصلحته؟ أنا اكتب كل ما يهمني ويشغل فكري أن كان في الدين أو الجنس أو غيره وللقارئ حرية القبول أو النقد ، لكن السلطة الوحيدة التي أفكر بها عندما اكتب هي ضميري ولا شيء سوى ذلك !
* كلمة أخيرة :
- أشكرك كثيرا على هذا الحوار وأتمنى أن نبقى على تواصل دائم مع كل أخوتنا في العالم العربي ولا أتمنى من الله سوى إحلال السلام على كل أنحاء وطننا العربي وخاصة الفلسطيني.
حاورها: بسام الطعان