الاثنين، ١ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

" الأمل هو حلم يمشي"

عندما تثاءبت الارضُ البارحةَ وغرقت بغروبٍ حزين ، بدت فناجين قهوتي من حولي مفزعةً كوجوه المجانين في ساعة غضب ، ورأيتُ بعض ملامح رفاقي الميتين ، فما قرأته من دراسات حديثة والتي تشير الى ان نصف مليون شخص يموتون سنوياً نتيجةً للانتحار ، كان سبباً كافياً لدب الرعب بين سطور اوراقي ، وتحرك اسطول الكلمات من ميناء تساؤلاتي ، فلمَ يقرر انسانٌ يتعمد بنور الشمس يومياً ان يترك هذه النعمة ليسكن وحيداً في ظلمةِ القبر الموحش ؟ ولمَ لا تقرر وردة ما ان تنتحر مثلاً ؟ فما ينزل على رأسها من كوارث بيئية لهو اشدُّ الماً مما قد يجول بخاطر أي انسانٍ من همٍ وحزنٍ وكدر !طرزتُ من الحيرةِ والتساؤلات كنزةً من الخربشات حتى امزقها بعد ذلك،فلعل شبح الكتابة يغيب عني..الا انني ذهلت لاكتشافي بأن هذه الكنزة لبست تفكيري وروحي معاً بدل ان البسها انا او حتى امزقها !وتذكرتُ ما قاله فرويد حينما عرف الانتحار على انه توجيه العدوانية الكامنة بالشخص ضد ذاته ، وقلتُ : " إذن ، لا عجب بأن يفكر أي احدٍ منا بالانتحار ذات يوم فقد يواجه ازمةً ليغدو مضطرباً ويفقد التوازن بين عالمه الواقعي وعالمه المنشود ، فقد يقرر ان يستقيل من هذا الكون بمحض ارادته كما " خليل حاوي" مثلاً ، ولتقديم هذه الاستقالة قد تكون هنالك دوافع عدة ، فهذا ينتحر بسبب فقدانه لمركزٍ مرموق ، وذاك يرحل نتيجةً لفقره المدقع ، وتلك تقرر ان ترمي بنفسها من الطابق العاشر لأن حبيبها قد هجرها.." تعددت الاسبابُ والموت واحدُ " ، لكن الغريب بالأمر هو ان عدد المنتحرين في ارتفاعٍ مستمر ، فهل وصلنا الى مرحلةٍ من الأسى والعجز الانساني يصعب العودة منها ، الهذا الحد أضحت الحياة سخيفةً ورخيصة ؟وهل هذا ما دفع الكاتبة والرائدة في الحركات النسائية في بريطانيا " فرجينيا وولف " الى الانتحار؟ أكانت مقتنعة بعدمية جدوى الحياة وعبثيتها؟لا ادري لماذا تعود بي عجلات الذاكرة مسرعةً نحو ايام صعبة قضيتها قبل فترة، لأتذكر فجأة اني اردت ان تكون كل ايامي ترنيمة فرحٍ وان تبتسم لي كل ورود الحديقة وحتى القطط في الشوارع !لكنني مررت بحالةٍ من الاحباط والكآبة جعلتني افقد الرغبة بفعل أي شيء باستثناء اوكسجيني المعتاد – القراءة- ، حتى وقعت رواية " السجينة" للكاتبة ميشيل فيتوسي " بين يدي والتي تحدثت خلالها عن عائلة " مليكة اوفقير " والتي سجنت وعائلتها بغرقٍ مظلمة تحت الأرض بسبب محاولات الانقلاب التي قادها ابوها ضد ملك المغرب " حسن الثاني " حيث عاشوا بين الفئران والحشرات ..بأقسى الظروف المعيشية مدة عشرين عاماً !وكل احداث الرواية الواقعية لا تساوي شيئاً امام حقيقة هروب العائلة التي لم تكن سوى نتيجة حفرهم لأنفاقٍ متواضعة ببعض الملاعق وأغطية علب التونة التالفة !وخلال قراءتي لهذه الرواية واطلاعي على ما تحتويه من تراجيديا انسانية وجدت انني بتُّ اخجل من نفسي ، فما هي تلك المشاكل الصغيرة التي قد تلقي بأغطية الكآبة على فِراش حياتنا؟ فلماذا لم تنتحر " مليكة" مثلاً وهي التي قتل ابوها بخمس رصاصاتٍ فأردته قتيلاً وسجنت تحت وطأة التعذيب والحرمان ، وكيف لم تفقد الامل خلال كل هذه السنين؟أجل ، هي ايقنت انها " اذا آمنت بالشيء ايماناً مطلقاً فسيتحرك نحوها " ولذا فقد استطاعت الهروب مع عائلتها والبدء من جديد.لم تكن هذه الرواية المميزة وحدها هي التي اثرت في من بين عشرات وعشرات الروايات التي قرأتها لكنها كانت من اكثرهم تأثيراً فقد استطعت استعادة توازني لأن الحياة تحتاج مجهوداً ذهنياً كبيراً وباستطاعة كل فردٍ منا ان يحول الالم واليأس الى املٍ وحرية ، وقد يكون "ريتشارد نيكسون" اكبر مثال على ذلك ، فقد بدأ حياته كعاملٍ في محطةٍ للبنزين لكنه كان يحلم بالعظمة والنجاح دائماً ، فالتحق بالجامعة وتخرج من كلية الحقوق حتى بات من انجح المحامين في الولايات المتحدة الأمريكية ، ليغدو في نهاية الامر رئيساً لأقوى دولة في العالم ، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على قوة الإرادة والتكتيك الذكي .إن الروايات عديدة والامثلة كثيرة على مر التاريخ ، وكلها أدلة وبراهين على جمال وروعة الحياة نفسها ، وقد يكون العالم بات مجموعةً من النظريات المتناقضة التي تحكمها المصالح ، ليكون جيبك او حسابك المصرفي هو سيدك بها ، ولهذا ربما اضحت الحياة من اسخف ما يكون لدى الكثيرين ، نتيجة لقسوة ومرارة الحصول على لقمة العيش !لكن ، مهما كانت الحياة قاسية وصعبة سيكفيك انك انسان يحمل بين ضلوعه فؤاداً ينبض بالحياة والحب والطموح ، وكما قال الفيلسوف الاغريقي " ارسطو " : " يبقى الامل حلماً يمشي ويمشي ويمشي .."