الأربعاء، ٣ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

"غداً سأموت , فهل ينضمون الى قبري؟

"سيغضب ابي ويشعل علبة سجائره كلها امامي ويثور ويصرخ الى ما لانهاية ، ستلومني امي وتخاصمني ، سيحضر جدي عصاه ان كان لازال على قيد الحياة ويهيئ حفلة لضربي رغم اني حفيدته المدللة ، وتلتهمني الجارة القريبة كوجبة فطور دسمة في احاديثها وتنحرني على سيوف نميمتها ، وتنهض الجارة البعيدة من قيلولتها والتي لا اعرف اسمها حتى ، كي تضيف بعض البهارات الحارة على طبختها الدسمة كي تبدأ بتصدير منتوجها الفاخر ، وقد يحمل إمام البلد كتبه ناسياً تمشيط لحيته لشدة غضبه ويهم بالقدوم الى بيتي كي يكتمل مسلسل التحريض الازلي علي ، وليس هذا فحسب ، بل جميعهم سينصبون انفسهم آلهة تأمر بقتلي .. وكل هذا لمَ ؟ لأنني اريد ان اكون انا ، بفكري ، علمي ، لباسي، فني ، ورأيي .."

سألتُها :" إذن ، انت خائفة ، هل تخشين الموت؟"
قالت : " لا..لا ، بل اخشى الظلم ..!"
•- " وما هو الظلم برأيكِ ؟"
قالت :
"أن لا افعل ما اشاء وقتما اشاء وكيفما اشاء ، ان انهض في ساعة محددة وأنام في ساعة محددة ، ان آكل ما لا احب ، وألبس ما لا يعجبني ، وأصادق اشخاصاً من طائفتي لا غير ، ان اقول نعم على كل شيء ولا اجرؤ على نطق لا ، ان اظل محتملةً وزر الخطيئة الاولى على جسدي ثمناً للحماقة ، ان ادرس في جيل محدد واتزوج في عمر حددوه مسبقاً ، الظلم يا آنستي ان لا افكر ولا أشك حتى بوجود الاله نفسه ..ألم يبنِ ديكارت منهجاً فلسفياً كاملاً حول ذلك ؟
ألم يقل انك إن اردت ان تبحث عن الحقيقة فعليك ان تشك في كل شيء ؟ وتتوقف عن التقليد وتتحرر من القيود كي تميز بين الزائف والحقيقي ؟ وان تستعمل عقلك وحواسك ايضاً وتفكر وتتأمل ؟
الظلم يا آنستي هو ان لا اسأل المعلمة في الصف كيف ومتى ولماذا ؟ورجل الدين بأين هو اثباتك ؟ وكيف تكون متأكداً من معلوماتك ؟ ان اسجن كل عمري في بلدٍ ما دون التفكير بحمل حقيبتي واكتشاف العالم ، الا يحق لنا اكتشاف كوكبنا الذي نعيش عليه؟
الظلم ان ابتعد مجبرةً عن كل ما اجده ممتعاً وجميلاً فقط لأنهم يريدون ذلك ..
•- قلت :
" إذن انت توافقينني على ان " الاشياء الحلوة تجهض لأن كل اجهاض هو نتيجة حمل خارج رحم المنطق " ؟

•- نعم ..أجل ، ولكن ما هو المنطق ؟ انظري حولك ، هل يبدو لك أي شيء مما يجري حولك في العالم منطقياً ؟ بل يصح ان نسميه وهماً مفروضاً لا اكثر ولا اقل ..
•- إذن ، عزيزتي حتى متى تظلين معذبة ، وترددين بأن حياتك سجنٌ كبير تموتين داخله رويداً رويداً ؟ لماذا لا تحلقين ؟ لماذا تخشين التحليق حتى بمجرد حلم ؟ إن اجمل الطرق لاستيعاب الحياة هي في التمرد على موقعك الدائم وكرسيك الصغير حتى لو اضطررت للوقوف على رأسك وخسرت كل ما اعتقداه يوماً انه اعمدة حياتك وثوابتها !

ثوري ..ثوري ، ما فائدة البشر من حولك ان قيدوك وربطوك بسلاسلهم واسندوك مرغمةً الى جدار وهمي لا وجود له الا في عقولهم المتحجرة ؟ ماذا تجنين إن ربحت العالم وخسرت نفسك وأناك ورغباتك الدفينة ؟ ما معنى ان تعيشي كل حياتك ظناً منك ان كل ما لقنوك اياه منذ الصغر هو الصواب ، وان كل ما تقولينه وتؤمنين به هو الخطأ ؟ هل الكم هو من يحدد لنا ما هي الحقيقة ؟ هل لأنها اكثرية يجب ان تسجدي لها ؟ لم َ لا تفتحين عينيك ؟ لمَ لا تفكري ؟ هل حقاً كل ما جاء في كتب التاريخ صحيح ؟ ام ان التاريخ كُتبَ دوماً بيد المنتصر ، فصاغه كيفما شاء ؟
ماذا سيحصل لو فكرت بصوت مرتفع وأسمعت صوتك لكل العالم؟ ما الذي ستحصلين عليه ان ظللت صامتة سنيناً وطأطأت رأسك ؟ هل سيتغير العالم ؟
هل تنتظرين الميت كي يخرج من قبره ويعيد لك ترتيب الافكار والايام لك من جديد ؟
ما معنى ان يسجن المرء نفسه في قفص ارادي اسمه " إرادة الآخرين " ؟
لماذا تصرين على العيش تحت أشعة حمراء مزيفة؟ ألأنك كنت صفحة ورسموا عليك كل خربشاتهم وأوهامهم وتعقيداتهم ، وأنت رضيت ان تكوني نصاً مهترئاً تافهاً لا معنى له ، ولم يعد صالحاً حتى للتداول بين قطط الشوارع فحتى هذه عندما تحس بالضجر او الاجبار تحاول التملص واللجوء الى مكان اخر وفسحة مريحة تستطيع التنفس بها دون ان يزعجها احد ، فإذا ما كتب على الانسان البحث عن راحته و " هداة باله " فإذن سيظل مسافراً من محطة الى اخرى كل العمر ، ولا بأس ..لا بأس بذلك ، لكن ان يظل واقفاً مكانه ، فهذا ما لا يقبله عقل او قلب !

لا تمضغ رأيك او تدفن حزنك داخل روحك كل العمر ، فلتغنِ بصوتٍ عال حتى لو نشاز ، ولتفرش فرشة على الرصيف لتشعري بديناميكية الحياة البسيطة ، حتى متى ستظلين صنماً وتسمحين للآخرين بزج انفهم الافطس بكل شيء بحياتك ، واسألي نفسك :
"اذا رضيتُ ان اعيش بحسب قوانين الأعراف وقواعد المسموح و الممنوع ورأي الناس ، هل يا ترى عندما اموت غداً سينضمون الى قبري؟"
بصراحة ؟!
هذا الحوار دار بيني وبين نفسي .."فاعذروني إن نزفتُ بروقاً / يكتب الحر رأيه بالأظافر "!