الخميس، ١٤ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ

زوجة ليوم واحد !

أقفُ الآن على حافة ماضيكَ وحاضرك معاً ، أقفُ وبيننا مسافة تمتد الى عشر سنواتٍ حافلة بالمعارك والهزائم المتتالية و الخيبات، فالبارحة كنتُ على عتبة امرأتك الاولى في البوم صوركما المشتركة واليوم اقف على عتبة امرأتك الشرعية الوحيدة باستثناء الذكريات ! أقف بينهما وأتأملك وأوبخ نفسي عشرات المرات ، فكيف سمحتُ لروحي بأن تزج بطهارتها الطفولية بينكما وتلعب دور الساحرة الشريرة الغائبة عن منطق المحبين ، وأتساءل كم نبضة مستقبلية سأوزع بين حبك وعذاب ضميري الأبدي ! أنسى او اتناسى او اضيع بينهما ....وأصور نفسي زيتونة نمت الى جانب قدميك وامتدت في الأرض سنيناً ولم تنتبه اليها الا بعد ان حان وقت قطافها المؤجل ! أحب هذا الشعور بالسرقة ،بالمراوغة، بالخطف ، أحب ان اغامر وان اسرقك حتى من نفسك ولا شيء يمنعني عن الغبطة حين افاجئك بقبلة عند الصباح ! كيف أطعتك وجئتُ الى هنا ... لست ادري... لكنني اعلم بأن الفضول كان سيقتلني إن لم أكن معك الآن ..الآن ! لم أقم بأدوار الانثى اللعوب ..اللصة ..السارقة ، ولم أقم بأي فعل ٍ شرير يدينني من قبل ، لكنني اعترف اليوم بأن لطعم السرقة والمغامرة نكهةٌ خاصة لم اجربها من قبل ! الآن وعلى باب بيتك علقت مفاتيح قلبي على علاقة نجوم هذه الليلة الباردة ، نظمتُ انفاسي كأوركسترا متأهبةٍ لحفلٍ تاريخي صاخب ! مشيتُ على رؤؤس اصابعي خوفاً من نظرات الجيران المتلصصة حتى لكعب حذاء صغير تترنح فوقه صبية غضة ! الآن وعلى باب بيتك ألقي بكل مخاوفي وظنوني المسبقة حول امرأتك الشرعية الوحيدة ، وأدخل بهدوءٍ عبثي مقصود ..! وأتفاجىء من رائحة الياسمين تهب متجهةً نحوي لتصفعني مراراً والآن عرفت ان لي خصماً غير سهلٍ ابداً .. ويا للغرابة فنحن النساء نظل دوماً متألقات، جميلات، حسناوات، ذكيات، حتى يأتي يوم ويأتي رجل واحد ليضعنا في خانة مقارناتٍ غير مقصودةٍ احياناً ومقصودة في كثير من الاحيان ! فمن كان يتوقع مني يوماً ان ادخل مملكة امرأةٍ اخرى تشاركني الرجل ذاته المتربع على عرش قلبي شئت ام ابيت .. وان استغل فترة غيابها عن بيتها لأفتش في زواياه عن الدلائل التي اثبت بها افضليتي وأهميتي وأولويتي عليها حتى لو كانت هي الشرعية والأولى بيننا ! حربٌ ادبية تدور بيني وبين نفسي لتضعني في خانة المتهم والشرير والآثم كل الوقت والغريب في الأمر اني سعيدةٌ جداً لا وبل اكاد اطير من الفرح ! فأنا الآن في بيتها وأشرب قهوتي على اريكتها المخملية دون اذنها ، وأتبادل القبل مع زوجها وأتعرف على مواطن ضعفها في هذا البيت نقطة نقطة ... لعل كل هذا سيساعدني على الانتصار عليها ذات يوم ! وأعترف بأن زوجها او حبيبي هو كل حياتي التي لم اجرؤ حتى ان احلم بها ولا اخطط لسرقته منها او اتزوجه مكانها فأحلامي تبعد مائة سنة ضوئية عن حياة الدجاجات وحبات القمح وتجوال الصيصان اليومي ! لكنني اريد منك يا من احب ان تكون بروحك لي وحدي فالجسد آخر همومي ! أقف الآن بين صور حبيبتك الاولى في الألبوم قبل عشر سنوات وبين زوجتك هذه وأجد باني اختصرهما في اصبعٍ واحد من اصابع يدي او ربع ابتسامة من ابتساماتي الخالصة التي تدفع نصف عمرك لتراها ...! شعورٌ غريب غريب وأعترف لك بأنني متفاجئة الى ابعد الحدود فكل ظني كان ان ادخل الى مملكة امرأة غبية وقذرة ورائحة البصل والثوم تفوح في كل مكان ومنافض السجائر ترقص فوق طاولة الصالون في هذا البيت ..لكنني لم اتوقع ان اجد امرأتك الشرعية على هذا المستوى من النظافة والنقاء والذوق الرفيع حتى في قمصان نومها الحمراء والخضراء والزرقاء ...! - لا عليكِ يا حلوتي فالحياة مليئة بالمفاجآت رفعتَ رأسي من على ركبتيه ، نظرت في عينيه غاضبة: - أتحبها؟ - هي ام اولادي وعشرة عمر ولا تمسني بمكروه ابداً - من منا تحب اكثر؟ - طبعاً انتِ .. طبعا انتِ أبعدته عني بحزم سائلة اياه : - إلى الأبد؟ - أنا لا أؤمن بالأبدية يا صغيرتي وأخذ يتلاعب بخصلات شعري وقبلني من بين عيني قائلاً: - إلى يومي الأخير في هذه الدنيا ستظلين الأجمل والأطيب والأغلى وأذكى نساء الأرض جميعا فافرحي وان اردتِ الزواج فأنا هنا ! ربتُ على كتفه وقبلته من جبهته وقلت: -لا أؤمن بهذه المؤسسة الفاشلة ولا أريد الزواج بكَ انتَ بالذات كي أظل الأبهى والأجمل دوماً لديك، فكل الرجال مستعدون لخيانة زوجاتهم الكريمات ولا يخونون عشيقاتهم فهن دوماً بعيدات عن متناول اليد حتى النهاية وهن وحدهن غير مفهومين ضمناً لديكم كباقي النساء ! ضحك وضحكت وساد الصمت برهة بيننا فجأة.. _أهذا يعني انك لن تخونيني ابداً؟ ضحكتُ مجددا وقلت: هذا يعني اني لك وحدك طالما لن تخونني بروحك ابدا وليست العقود الزوجية والترهات الاجتماعية هي التي ستربطني بمن أحب وأنا لك طالما لن تخونني بجسدك الا مع زوجتك الشرعية صاحبة الذوق الرفيع فمن يحب الآخر يعطيه الغبطة والحرية باختيار ما يفعل ومن يمس وكيف ومتى اراد ذلك ، على عكسكم انتم الرجال فمعنى الحب لديكم دوماً يتبلور في مكنونه بالملكية الفردية والاحتكار روحاً وجسداً رغم ان الخيانة تتلخص في طعن الآخر بظهره وفعل الاشياء بالخفاء دون علم الطرف الآخر ! - اتركيني من معارككِ معي ومع الرجال وتعالي ، اقتربي قليلاً... أمسك بيدي ، قبلني ، تناول احد قمصان نومها وقال : ارتديه .. أريدك زوجتي ولو ولو ليومٍ واحد ! نظرتُ اليه وطال تحديقي به الى ان دخل غرفة نومهما وانتظرني مجرداً من كل ملابسه كالأطفال .. هناك.. هناك على باب جنتنا الآثمة!

السبت، ٥ جمادى الأولى ١٤٣٢ هـ

ارحل (२)

لكَ ابتسامةُ ظلي الغائبِ..
ولي رقصةُ الموتِ..
في ليالي الطويلة !
لكَ تتثاءب زهور انفاسي
ولي بكاء الجديلة..
لكَ بوابات الوقت..
كلها مفتوحةٌ..
ولي عشرُ ثوانٍ قصيرة..
عشر ثوانٍ تكفيني ..
لأعيش دهراً في ظل الألم
ليغيب العمر هارباً..
وتصير الدمعة سفيرة..
عشر ثوانٍ تكفيني..
لتتساقط اوراق قلبي.
لتضربني موجةُ الحزنِ..
مرةً عند الفجر الذي لا يأتي
ومراتٍ حين يضيع الفراش دربه..!
لكَ عباءة طيفي..
في شتاء حياتنا..
ولي بردُ بعدك والفراغ
لكَ قيثارة صوتي
ولي خناجر اتهامك..
وجرحي..
لكَ ايامي..
ورود صبايَ وأحلامي
ولي غيابكَ..
وكأس الضياع !
من انت؟
من اي صحراء جئت؟
اقصدتني طالباً حبي..
ام تهت؟
فلكَ رنات ضحكي..
في ساعات الوحدة..
تؤنسك وتهنيكَ..
ولي بركان غضبك الثائر..
يذبحني ويناديكَ !
عبرتُ من بوابة اللارجوع..
رسمتَ في حضنك..
زهوراً لن تزهر..
ماتت هناك..
فوقفتُ تمثالاً من دموع !
لك الألوانُ ،
السلامُ ،
الأمانُ..
ولي الفجوع !
لكَ كل شيء..
وأي أي شيء
ولي بضع كلمات..
تائهة بين شعرٍ ونثرٍ وموت
أأقول احبك..
وبي مسٌ من جنون؟
ليتها كانت ذات وعي ..
تلك العيون!
فلك كل شيء
ولي..
قصيدتي وغربتي ..
وصمت سمري ووحدتي
فخذ كل شيء وارحل..
ارحل !

السبت، ٢١ ربيع الآخر ١٤٣٢ هـ

مكانكم في الشارع

أشعر بالغثيان حين أحس ان للصمت رجلان يسرح ويمرح بهما في كل مكان بيننا، في فكرنا، في قلوبنا ، في بيوتنا وحتى في الندب الباقي لنا !
قد لا اكون محايدة كفاية وربما لن استطيع ان اكون محايدة أبداً ففي دمي "سوسة " التمرد وفي عقلي ثورة تغيير وجب عليها ان تحدث آجلاً أو عاجلاً ..
قد لا اكون فصيحة أو متفلسفة بالقدر الذي يفرضه علي واجبي او رسالتي التي لن تنتهي بمجرد مقال عابر عبر صفحات "النت" او الشبكات الاجتماعية المختلفة ..
وقد لا أكون متوازنة او عادلة بما يكفي لأمدح بعضكم او كلكم ...
لكنني لا افهم شيئا الآن سوى انه حان وقت النزول الى الشارع ،
اجل حان وقت كشف السواعد والأكتاف والصراخ والهتاف !
مجنونة؟؟؟
ربما..
لكنني ارفض ان اكون اليفة..
ارفض ان اكون سخيفة..
ارفض ان اكون منغلقة ..
ارفض ان اكون بليدة ووضيعة !

لماذا؟
لأنني امثل عقلاً ضمن 20% من عقول سكان هذه الدولة العرب والذين بقوا في بيوتهم وحفظوا وطنيتهم من التلف عبر كل ما مضى من سنين ولأنني العربية الفلسطينية والتي اسكن هذه الدولة التي هي بذاتها جاءت إلي "بدون لا احم ولا دستور" ، ولأنني احفظ رائحة النعناع والزعتر في شراييني و تراثيات جدي وجد جدي عن ظهر قلب وأصر على تسمية الأشياء باسمها و اعرف تماما باني لست من عرب 48 أو عرب اسرائيل كما ينادينا البعض في الدول العربية وكأن هذه هي تهمتنا وهذه هي جريمتنا متناسين ان حكامهم الطغاة هم أول من باعنا ..
و إن كنت ارفض انني من عرب 48 وارفض اني عربية اسرائيلية وارفض ربطي وتعليقي من تلابيبي بأي دين .. إذن ما هي هويتي؟ ومن انا ؟ ولماذا علي ان اصرخ في وجهكم انتم شباب اليوم..شباب النت والتشات والغوغل والآي فون وأحرضكم على التفكير؟ لماذا علي ان احك عقولكم بظفري وهواجسي؟
ثم لماذا نقف مكتوفي الايدي عند سن كل قانون عنصري ضدنا في الكنيست الاسرائيلي؟ خاصة اننا سمعنا جميعاً بقانون النكبة الاخير وبقانون تحديد مكان السكن لفئة معينة في البلاد ؟
لماذا لا أراكم في الشارع عندما يأخذ كل طالب جامعي يهودي امتيازات ومنح أكثر منكم؟ لماذا تختفون عندما يناشد رجل دين يهودي هنا وهناك بعدم بيع الشقق او تأجيرها للعرب؟ لماذا الصمت بعد كل عملية قتل او سلب او نهب في وسطنا العربي؟ لماذا نصمت بعد كل مصادرة قطعة ارض جديدة ؟ ولماذا الصمت عن الهوية ثم الهوية ثم الهوية؟
فإن كنا نعيش كلنا نحن " وأولاد عمنا " في دولة واحدة لماذا لم أرَ فردا واحدا منكم ينادي بأعلى صوته نريد دولة لجميع مواطنيها؟
لماذا؟
وما اسخف اولئك الذين يتبجحون بوقاحتهم ويطلبون منا الرحيل والهجرة الى أي دولة عربية وكأن هذا هو خيارنا ومصيرنا رغم اني لا اعرف كيف يخلط هؤلاء بين شعبان ورمضان فطبعاً ارفض الهجرة لأي دولة وبالأخص إن كانت عربية فهنا ارضي ..هنا بيتي..هنا هوائي الجليلي.. وهنا عكاي و يافاي ..والاهم من هذا كله فليعطني هؤلاء دولة عربية واحدة علمانية !!
ألم يحن الوقت للنزول الى الشارع بعد؟ هل شباب مصر وتونس وليبيا هم وحدهم يعرفون المظاهرات؟
اشعر بالغثيان حين احس ان للصمت رجلان يسرح ويمرح بهما في كل مكان بيننا، في فكرنا، في قلوبنا ، في بيوتنا وحتى في الندب الباقي لنا !
إن كانت الهوية والعنصرية ليستا سبباً كافياً في ثورة شبابية قادمة ،أوليست اوضاعنا الاقتصادية سببا كافيا لوحده ؟ يكفي ان نسمع عن مئات العائلات بالكاد تنهي الشهر بكرامة واحياناً لا تنهيه.. ألا يكفي غلاء الوقود والماء والمواد الغذائية الأساسية سبباً للتظاهر؟ ألا يكفي ارتفاع نسبة الضرائب سببا ؟ ففي هذه الدولة لم يتبق سوى ضريبة واحدة لم تسن بعد .. على الهواء الذي نتنفسه..!
والعار ثم العار لنا نحن الشباب حين نرضى بأن يجلس البعض منا في مكاتب العاطلين عن العمل او في المقاهي لتدخين النرجيلة والحشيش .. اجل الحشيش فلا ترفعوا حاجبكم الأيمن وكأنكم لا تعرفون...!
ولنقل ان هناك فئة " مغلوب على أمرها " وعاطلة عن العمل أوليس من العار ما تدفعه لنا الدوائر الرسمية ونحن في هذه الألفية؟
أوليس هذا سبباً للنزول الى الشارع والصراخ بكل ما اوتينا من قوة ليعلم من لا يعلم اننا لسنا بالأغبياء !
"آه آه" ..اجل فهمت..
نحن ننتخب لذلك لا داع للتظاهر..
يا سلام !
أين هم أعضاء الكنيست العرب عندما تقتل صبايا في عمر الورود على خلفية ما يسمى "شرف العائلة".. " وأي شرف وأي جزمة قديمة وأي بطيخ اصفر "!
أين هم أعضاء الكنيست العرب حينما تسن القوانين وتنسج الحكايات والروايات التي اكل عليها الدهر وشرب في الاعلام الإسرائيلي الموجه؟
أين هم بالضبط حينما تبحث "كالكلب الضال" عن بيت تسكنه او تبنيه فلا تجد حتى قطعة ارض تبني فوقها ؟
أين هم؟
ومع احترامي وتقديري لهم مهما فعلوا غير كافٍ، ومتى نراه كافيا؟
عندما يزحف صرصار الانتخاب مقترباً طبعاً !
وطبعاً هذا اذا افترضنا ان اعضاء الكنيست العرب ولجنة المتابعة العليا تمثلنا جميعاً بالفعل !
هل مجرد انتخابك لهم يعني انك بت أصماً وأبكماً ايضاً؟
اشعر بالغثيان حين أحس ان للصمت رجلان يسرح ويمرح بهما في كل مكان بيننا، في فكرنا، في قلوبنا ، في بيوتنا وحتى في الندب الباقي لنا !

وأنتن..؟
أجل انتن؟ أين انتن بالضبط من كل هذا؟ ولم يتوجب على الرجال وحدهم النزول الى الشارع ؟فان كان شباب اليوم يملك سبباً واحداً للصراخ انتن تمتلكن مائة سبب للصراخ والصياح والمواء حتى تتقطع كل أوتاركن الصوتية ..
الم يحن الوقت بعد للظهور وعدم التخفي خلف اقنعةٍ ليلية وشعارات سخيفة؟
فأنتِ سيدتي من نقش المجتمع كله على جسدكِ طغيان ذكورته بأظافره العشر من أبٍ وأخٍ وخالٍ وعمٍ وشيخ ..
أنتِ سيدتي من أحرقوكِ بنيران تخلفهم وعنجهيتهم وجهلهم فلا تلبسي كذا ولا تتمكيجي كذا ولا تقرأي كذا ولا تكتبي كذا ولا ترفعي صوتك ولا تفكي ضفيرتك ولا تصادقي فلان ولا تسافري مع علان .. وليس مسموحاً لكِ بالاعتراض أو النقاش وغير مسموح لكِ حتى بالخطأ..
وإن قتلوكِ بدم بارد لن يجمع احدهم أشلاء روحك..
فيا سيدتي إن لم تمزقي ستائرهم سيمزقونكِ، وإن لم ترفعي صوتك سيرفعون هم أرجلهم فوق صدرك ويدوسونكِ ،وإن لم تأخذي حقك بالكامل وبكل شيء فسينهبون صوتك وجسدك وحريتك ويرفعون اصبعهم الأوسط في وجهك كل ثانية لأنك وحدك من رضيتِ بالصمت منذ البداية !
إذن ، ما المطلوب؟
النزول إلى الشارع.. ثم الشارع ثم الشارع ..

السبت، ٧ ربيع الآخر ١٤٣٢ هـ



"مناقيش يهودية"

استيقظ هذا الصباح على ظهر غيمةٍ سابحة ،معتدلة المزاج كفراشة ،انفض بقايا الحلم عن قلبي بتثاؤبٍ بريء وهادئ فالسماء تمطر اليوم فرحاً كتأملي البهيج و المؤجل بوطنٍ محرر !
نقرُ زخات المطر يرسم على النافذة لوحةً سريالية لا يكتمل رونقها سوى بإبريق شاي معطر بالنعناع والليمون ، ورغم اني افضل رشف القهوة كل صباح على مهل كمن يرسم صورة لوجه فلاح فلسطيني فرِح بين كل رشفة وأخرى الا ان للنعناع في الشتاء لغة ودية لا افهمها ..
أحضّر الشاي، امسك بحزمةٍ من اوراقه الخضراء المنعشة ، اشمه، اضمه كمن يبحث عن صدر امٍ مطرزٍٍ بالقصب ولا ادري لماذا تتسابق الى مخيلتي صور اجساد امهاتنا فهُم كساق النعناع تماماً والذي قد يصفر وتصيبه الحمى انما يبقى صامداً في تربته مهما حصل .
أجلس على الاريكة ، ارتشف الشاي، أطالعُ الاخبار على عجل رغم محاولاتي المتواصلة بالامتناع عن ذلك، فمنذ سنين لم اسمع خبراً واحداً يفرحني ودوما باءت محاولاتي هذه بالفشل وابتسم حين يخيل لي بأنه حتى لو انهال العالم والسقف فوق رأسي لن اترك كوب الشاي بالنعناع " وليولع العالم بكاز" !
البشرة النضرة الهادئة ، بقايا حلمٍ نائم في الجفون ، خفقٌ منعشٌ في القلب هي علاقة غريبة تدفعني للعب بريشة الوان الماكياج المختلفة "هه هه طلع الصبح واستيقظت النساء لتمجد المرايا" ، اقول كلماتي بمونولوج مشاكس ، امجد ملامحي وأرتبها وانزل ادراجي مهرولةً الى حديقتي الصغيرة .
أروح وأجيء فوق التراب واغرق قدمي بالوحل قاصدةً تعميدها بقدسية المطر والتراب، أروض حماسي الشديد وأتأهب للذهاب الى عملي الذي بتٌّ امقته بشدة ليس كسلاً وإنما لغصةٍ في القلب تذبحني حينما ابتعد عن رائحة الورق والحبر والتراب واضطر للتعامل طوال النهار مع لوحة مفاتيح ديجتالية لا تحس ولا تشعر !
أعالج ألم القلب ببعض الموسيقى للثلاثي جبران في جهاز " ا لام بي 3 " وارقص مغمضة العينين فاتحة ذراعي للمطر مترنحة كالسكارى فأتذكر رقصتي مع جدي عندما كنت في الخامسة حين كان يقف تحت زيتونة البيت ليتركني اغني وارقص بسذاجةٍ تحت المطر فيخبأني تحت عباءته خوفاً علي من المرض .
" يرحمك الله يا جدي .. اه كم اشتاقك .. يا ليتك تعرف كم تحاصرني الجدران .. كم ألوب لأهرب الى صدرك من هذا الاختناق اليومي !"
يتناثر عقد دمعي وليس ضعفاً انما هو الحنين.. وحده الحنين ..
أحمل قلبي وحنيني واخرج الى معترك الحياة اليومية.. ويا للغرابة فالبشر يتزاحمون على كل شيء في هذه الدولة التي يصرون تسميتها بالعبرية ، يتزاحمون على مكانهم في التاكسي، على دورهم في المخبز، على شبح سعادتهم الوهمي ، حتى على لحظتهم الهاربة من هذا الكون ، يا له من شعب يتنفس من رئتي ضغطه ووقته المسروق !
أدخل المخبز، انظر حولي، ابحث عن شيء لا اعرفه ، لا شيء مغرٍ هنا ، لا يوجد أي شيء استثنائي هنا فأقراص الخبز كلها كالوجوه الغاضبة ..
أسأل البائع عن خبزٍ يشبه وجه مناقيشنا المبتسمة وأحاول الشرح له قائلة :" هذا القرص المدور كالقمر في ليلة تمامه الا تعرفه؟ هذا المغمور بزيت زيتونٍ سرقتموه.. الا تعرفه؟ هذا المفروش بزعترٍ يعبق بدمع صبايانا وآهات جدي وجد ابي وأمي .. الا تعرفه؟ هذا الذي يناديني برائحته عن بعد عشرات الامتار .. هذا الذي يحرضني على ان ارفع اصبعي الاوسط امامك الان حالاً وفوراً فهل تفهم؟ ولكني لن افعل .. اتعلم لماذا ؟ لأن جدي أمرني بالشهامة امام عدوي والحفاظ على حياته إن صادفته خارج ساحة المعركة عكسك تماماً يا هذا "!
اخبىء جمرة مونولوجي في صدري وأتناول القرص بتعجب ..
-أهذه مناقيش؟ اسأله بعفوية بالغة..
-هذا ما لدينا وهذا ما صنعناه ..
يجيب بامتعاض شديد!
أحملق بالقرص ، انظر اليه .. اتفحصه من كل الجهات .. اتحسس الزعتر المرشوش فلا اجد سوى بقايا النكبة هنا ..القرص غارقُ بدمعه ، الطرق فوقه وعرة ومهدمة كمعظم البنى التحتية في وطني والزعتر ميتٌ وكأنما دبابة مرت من فوقه وطحنته..
صحت بأعلى صوتي .. ما هذا؟
نظر بائع الخبز الي والدم متجمدٌ في عروقه متسائلاً عن سبب صراخي ..
-أتسمي هذا مناقيش؟
- قلت لك هذا ما لدينا الا تفهمين؟
- هذا ليس خبزاً.. قل هذه نكسة.. هذه حرب.. هذه جنازة .. هذا مذبح..
حملق البائع بعيني وصوب نظرةً الي كالبندقية .. تناول الرغيف من يدي بقوة واوقع الهاتف الخليوي مني وحين سمع رنته حينما غردت فيروز بالعربية ، رجع خطوة الى الوراء ،،نظر الي بقرف واشمئزاز .. نعتني بأبشع الصفات وأصر بأنه لا يبيع الخبز للعرب !
خرجتُ من المخبز غاضبةً وشعرتُ بالاختناق والدوار معاً.. ابتعدت عن المكان فاتحةً ذراعي للسماء مجدداً باحثة عن أي عصفور ..
لا شيء.. لا شيء.. حتى العصافير تهرب من بلادي !

الجمعة، ٣ صفر ١٤٣٢ هـ



ارحل..

فلتدر المفتاح في بوابة السنين ولترحل..
يا سيد احلامي ...
لا تعد أنك عائدٌ...
ولن تفعل ..!
انزع بصماتك من فوق كؤؤسي ..
من فوق خزائن بيتنا الجميل ..
خذ كل ما شئت من رماد فانوسي ..
خذ مراياك الفارغة ..
وحصانك الاصيل !
ولترحل..
خذ طعم قهوتنا المسائيةِ..
من شفاهي ..
والأحمر البرّاق ..
من ليالينا ..
وفاكهة خيبتي وغبائي ..
وارحل ..
خذ قيثارة صوتك معك
وشبح طيفك حول اوراقي وحبري..
وصورتك من محفظة ذاكرتي ..
وفساتينك ..
وهداياك..
وحسابك البنكي ..
وعباءة شكوكك..
خذها ايضاً معك !
وارحل ..
خذ مني لون عيني ..
وفرحة السنة الاخيرة..
خذ قصورك..
وسجنك الكبير ..
ودمع شمس الظهيرة !
خذ رائحتك من فوق جسدي وكفوفي..
وبهجة القلب..
ونبيذ الحب من قطوفي ..
وارحل !
خذ ابتسامات الورد..
من فوق صدري..
واشطب اسمك..
من بحر لفظي ..
لا اريدك فصلاً آخر..
في قصة بؤسي !
واقتل في صمتك..
كل اسماء ابنائنا القادمين..
ولن يأتوا ..
ولا تهدأ قلباً..
على بعدك لن يغفو..
لن يغفو !
خذ ملحك..
وجرحك..
وسيفك..
وظلك..
وبراءة عينيك..
وتعصب قبيلتك..
واتركني لحزني وشجوني..
وودي وظنوني
لا أريد لتاريخنا هذا الشقاء..
لا أريد لوسائدنا هذا البكاء
فأنا كمصباح الطريق..
وحيدٌ ..
إنما لا يكسر مرتين..
ولا يحيا لينير دربك مرتين ..
فارحل ..
ارحل ...