السبت، ١٧ شعبان ١٤٣٣ هـ

أبجدية الانتظار

حين يجتاحك الحزن لا يطلب تأشيرة دخول او جواز سفر ، وكل احزان الارض لا تساوي شيئاً امام حزني .. مسكينة انا حين ظننت انك قد احببتني يوماً .. مسكينة هي انا التي احس بأنني اسفنجةٌ بالية ومن كل ثقبٍ ينفجر شلال حزنٍ جديد..فالبارحة غرقتُ في البكاء امام منظر المرآة المكسورة تضامناً معي ، وقبل سماع صوتك بقليلٍ لعنت كل الآلهة والأنبياء امام منظر ولد سوداني يخطفونه من حضن امه ويسرقونه من مقاعد الدراسة امام زملائه لطرده من هنا ..من هذه الارض .. ارض العسل الاسود والحليب الفاسد ، اما اليوم فدمعتي لا تجف وقلبي لا يتركني وشأني حزناً عليك وعلى ثقافة راديكالية متعفنة وحمقاء.. قبل ثلاثة ايام فقط زرت تاجر التحف والهدايا وطلبت منه ان يخط اسمك بمخطوطة تمتد على كل جدران البيت.. قال : أانت مجنونة؟ من يفعل اليوم حماقات كهذه .. ابتسمت في وجهه وقلت: من يحب حتى الثمالة والسعادة والحزن والوجع والموت وما بعد الموت ومن يخاف ان يتركه المحبوب ويرحل الى صدر امرأة كاذبة تقنعه بأنه الاول في عمر النبض والجسد ! قال متهكماً : خذي اي تحفة من هذه فالرجال عادة من يبحثون عن الورود والعطور والهدايا لنسائهم .. غضبت وحدقت به كثعلب جائع يريد ان ينقض على فريسته حالا وفورا ، وصرخت في وجهه : انت جاهل ! طرقت باب المحل الزجاجي وسرتُ متجهةً الى السوق القديم فهناك فقط اشعر ببساطة الناس وتفاؤلهم رغم العوز وديناميكية الحياة وسرعتها والتي لا تسمح لأحد بالتوقف لحظة واحدة.. اردتُ ان اخبىء ملامح وجهك بين ضلوعي، وان ارسم لنا خارطة عشق جديدة تعيننا على كم الحروب الهائل والقتل والدمار الشامل الذي يجاورنا ويأكل ويشرب من جرحنا المفتوح.. وخططتُ لأن آخذ قسطاً من الراحة مع عينيك وان نحتفل سوياً على شاطئ البحر بمناسبة ولادة حبنا قبل اكثر من سنتين في مثل هذا اليوم ، وحفرتُ في اعصابي طويلاً ولم اجد ما يليق برجل مثلك يحبني حتى الثمالة سوى " دمي ودموعي وقلبي وابتسامتي " ! أردتُ ان آخذك بين ذراعي كطفلٍ صغير كي تطرد تعب البال والنفس والشكوك وتدعها ترحل للأبد معتقدةً وبعد كل هذه العشرة ورغيف الحب والخبز الذي اقتسمناه معاً بأنك قد عرفتني اخيراً ! تعطلت لدي الحواس وصرتُ عصفوراً مبللاً بثلوج قلبك الذي لا يرحم حين تركتُ باب البيت مفتوحاً طوال الليل والنهار انتظاراً لقدومك، وعطرتُ جو البيت وعتبته بالخزامى ، مسحتُ عن وجهي غبار حزني وارتديتُ نفسي من جديد ، وقلتُ : سيأتي .. لا بد سيأتي .. اليوم سيأتي .. وكلما كنتُ اسمع طقطقة رجلين في الخارج خرجتُ ملهوفةً كمغفلٍ اضلّ طريقه ، وكل المرات باءت بخيبة املٍ جديدة ، واضطررتُ لتحمل فظاظة جارتي الحمقاء اليهودية من اصلٍ يمنيّ لتخفف عني حرارة هذا البركان المنفجر في العمارة كلها بعد ان اشفقت على حالي وراحت تسردُ علي نكتاً من العصر الحجري قد اكل الدهر عليها وشرب ، ولم ابتسم ولو للحظة .. ظلت تقنعني بأن كل الرجال اوغاد وبأنهم جميعاً كلابٌ تبحث عن اللحم الابيض يظلون يلهثون خلف المرأة التي تعجبهم وحين يملون منها يهجرونها نازفةً في وسط الشارع العام لحياةٍ حافية ٍ من نعل العاطفة وعاريةٍ من صوف الرحمة ! ظلت تقول : في مجتمعكم لا يحترمون المرأة بل يعتبرونها بضاعة والسلام .. يريدونها حبة قمحٍ فوق سنبلةٍ يابسة دون عقلٍ او تجارب وفي النهاية يبحثون عن الحبة وتقشيرتها .. في مجتمعكم يحبون اللهو كثيراً ويعبدون الجمال والنساء وينسون انها انسان قبل كل شيء .. في مجتمعكم الرجل شرقيٌ ومنغلقٌ حد الحماقة.. في مجتمعكم .. في مجتمعكم.. في مجتمعكم.. ظلت تقول وتردد حتى انفجرتُ وسكبتُ كأس الماء في وجهها وطردتها من على عتبة باب البيت كذبابة ٍ ساقطة ! لم ارد ان اسمعها لأني اعرف انها صادقة في بعض الامور ، والحقيقة تجرح احياناً لا وبل قاتلةً في كثيرٍ من الاحيان . أقف امام صورتك المقابلة لباب البيت تماماً.. اتأملك..اتأمل القمر الساطع في وضح النهار..اتأمل عينيك واسأل نفسي كيف يمكن لهذه العيون ان تقتل؟ واضرب رأسي في الجدار مراراً دون جدوى ! فتحتُ دفتراً قديماً كنت قد كتبت عليه بعض قصائد نزار قباني منذ ايام الثانوية ، وقلت لعل بساطة نزار ستذكرني بالعواطف الساذجة والصفح والغفران وقرأت: "شكراً.. شكراً لحبك .. فهو معجزتي الاخيرة شكرا لحبك.. فهو علمني القراءة والكتابة وهو زودني بأروع مفرداتي.. واغتال اجمل ذكرياتي.. شكراً من الاعماق !" لم تسعفني قصائد نزار كلها من اول الدفتر الاخضر الى آخره، لا ادري لماذا.. ربما لأن جرحي اكبر بكثير مما تخيلت .. او ربما لأن ذائقتي الفردية قد اختلفت وتغيرت وصارت اكثر نضجاً وفهماً وادراكاً للشعر فلم تعد تقنعني ابيات نزار ! ليست ذائقتي وحدها بل اشياء اخرى اكبر بكثير ايضاً ، فكيف ألجم نفسي وأنا صرتُ اقرأ كل شهرٍ اكثر من ستة كتبٍ، وأبادلك الحب كل ثانية في خيالي ، كيف ؟ كيف؟ ما عاد شيء يداويني الآن .. لا الشعر ، لا البيتلز ولا احلام الصبا.. ما عاد شيء يسعفني الا الامل والانتظار خلف باب البيت لساعاتٍ كل يوم.. كما الآن.. وسأتركه مفتوحاً على جهة القلب مباشرةً ! فهل اراك؟

الجمعة، ١٦ شعبان ١٤٣٣ هـ

رسالة حب اليك

في كل مرةٍ كنتُ ادخل قصة حبٍ جديدة محملةً بالأسلحة ، ورائحةُ البارود تفوح من ثيابي بعد وهم حريقٍ اسميته حباً سابقاً ، كنتُ انا الرابحة الوحيدة في قصصٍ ابطالها عاشوا وولوا خلف غبار زمنٍ لن يعود ! الخساراتُ كانت كثيرة ، فقد خسرتُ جزءاً كبيراً من حربي مع الاعصاب وقطعتُ بحراً عميقاً من الذكريات ، وربما خسرتُ ايضاً بعضاً من اسمٍ كان لي يوماً قبل ان اقرر ان العب لعبة الاختباء من نفسي امام المرآة ، ولكنني اظل الرابحة الوحيدة في كل ما تطاير مع الزمن واعرف اني ربحتُ نفسي اخيراُ ! يناسبني هذا الحب ، يناسبني جداً ان احبك حتى الرمق الاخير ، فأنت كل الاشياء الجميلة مصنوعةً على شكل تمثالٍ يسمى "حبيبي" ، ويعجبني جداً ان اكون لي وحدي ولك وحدك ، وان اغازلك متى شئت واطرق بابَ مزاجيتي في وجهك متى شئت ، وهذا افضل كي لا القي عليك تعبَ القلبِ من اللهاث خلف طيور الاماني او حزن ما مضى ! أنت .. يا انت .. يا انا .. لا اعرف كيف اعرفك على نفسي المنقسمة على نفسها آلاف الانقسامات ، ولا اعرف كيف اعرفك على نفسك معي ، فأنت تعرفني بعض الشيء وأنا اعرفك جيداً واعرف انك تملك ثلاث ابتسامات جميلة : الاولى: واضحة وصريحة وتضج حين تضحك كالأطفال من مسرحيةٍ جميلة لعادل امام او من فستان قد ارتديه بالمقلوب لشدة انفعالي وسرعتي بالتجمل والتزين قبل ان تطرق بابي بلحظات .. والثانية : ابتسامة عريضة وساحرة لا تظهر الا عندما يعجبك مشهد البحر في هدوئه امام سيجارتك المشتعلة على مهل ، وحينما اريد عناقك بقوة فأتبعثر بين يديك .. اما الثالثة : فهي ابتسامةُ فخرٍ وحزنٍ متكسرٍ عندما اتعثر بخطوات الكلام ان وددتُ الحديث بطلاقةٍ عن آرائي البعيدة عن التقاليد امامك ! أنت كأس نبيذٍ احبه وأخشاه في آن ! يسحرني ويعدني بمستقبلٍ نخطوه معاً نحو حلمٍ بعيد وأخاف ان يتكسر فوق رأسي ، فالمسافة بيننا هي ذاتها المسافة بين السماء والفراشات ! انا اعرفك جيداً بل وأكثر من نفسي ، فأنا احب رجلاً حقيقياً وشهماً واخشى خيبة القلب ان لا اسمعه بوضوحٍ احياناً ، فأنت الآن بطل ايامي وأحلامي وحروفي معاً ، وأخاف جداً لأني اعرف بصدقِ كتبِ التاريخ ان زمن البطولات وصلاح الدين وأبي زيد الهلالي قد انتهى ! معك لا اسمع وقاحة الريح التي تطرق على ابواب فؤادي في شتاء ذكرياتٍ تقتلني ،ولا اصغي لنعيقِ اعداء لم اعتبرهم اعداء يوماً . معك ارسم لعصفور الدوري الذي يزورني كل صباحٍ قفصاً الى جانب شباكي الصغير كي يحمد الرب الف مرةٍ في اليوم مثلي لانه يتمتع بالتحليق والطيران في اي فضاءٍ كان ! يعجبني جداً انك ابي حبيبي وصديقي ، وأحب ان اظل طفلتك التي ترسم لك فوق المرآة قلوباً كالمراهقين ، وتعجبني تقلبات مزاجك التي تنتهي كلها في حضني ويعجبني اصغاؤك المهتم بي وبفكري معاً !! ويسعدني جداً انك لم تنتبه يوماً كم تعنيني تفاصيلك الصغيرة كأزرار قمصانك ولون محفظتك التي اخترتها بنفسي ورنة هاتفك المحمول المزين بقبلاتي كلما راجعتُ تفاصيل رسائلك النصية الجميلة وأيقنت اخلاصك لي ولحبي ، رغم اني لم اشك بك يوماً ولن ! وأعرف انك لا تأبه لقماش بنطالك الذي اعشق خشونته فوق ساقي فلاحٍ يذكرانني بجذع الزيتونة في ارض جدي الغائب الحاضر دوماً وابداً ! أنا اعرفك تماماً كخريطة كفي الصغيرة التي ان اوجعني اصبعي بها يوماً لشددته بقطعة حريرٍ ملقاةٍ على هامش الخزانة وبعض الاسبيرتو ، وأنت تماماً هكذا حين تجرحني عن غير قصد ، عندها لا افعل شيئاً سوى ان اضمك بحنان وسذاجة امٍ ونبكي معاً ، انت تبكي لأنك آلمتني وأنا ابكي لبكائك المر المالح الحزين ..! أنت .. يا انا.. يا قوس القزح في سماء السنين .. يا عسل التين .. يا زهو القمر في تمامه .. يا نرجسة تفتحت وفاح عطرها .. فوق ارض جسدي .. سنة تتلوها سنين.. أحبك .. فلا تبحث كجلجامش عن الخلود في الحب والحياة ، دعنا هكذا نكمل اقدم قصة كتبها الانسان ونحياها بكل لحظةٍ فيها ، ويناسبني جداً ان اكون امرأة الظل ، امرأة السر والخفاء ، فما من رجلٍ يرضى بعالمٍ واحدٍ فُرض عليه بحكم سنة الحياة والدين والتقاليد ! كل رجلٍ يبحث عن ذاته في عالمين اثنين : اولهما عالمٌ اعتيادي وممل تطفو على سطحه متاعبُ الحياة اليومية ورتابةُ تفاصيلٍ ترسمها زوجةٌ وأطفالٌ وغسالةٌ تتعطل وقرضُ بنكٍ يجب تسديده،وكتبُ رسمٍ ومحابر ودفاتر وواجب زوجي يجب اتمامه حتى لو عن عدم طيب خاطر ! وعالمٌ افتراضي سري مريحٌ لا تغطيه متاعب وواجبات وامرأة مدللة جميلة لا تطالبه بشيء سوى الحب والقبل وتعطر جوه بالموسيقى الهادئة والفانيل ، وتدلله بأسمى انواع الدلال : " الحرية" ! ان يقول ما يشاء ، ان يفعل ما يشاء ، ان يحقق معها كل "فنتازيا" تخطر على باله ، ان يدخن فوق السرير دون ان يخاف صراخ احدٍ ما بادعاء اتساخ الشراشف البيضاء ، ان يسير في البيت عارياً كالأطفال ، ان يلهو ان يرقص ، ان يسافر معها الى ابعد حدود الخيال ، ان يمارس الحب معها على ناصية الشارع العام ، ان تخطفه من نفسه ومتاعبه ، ان تجدد لديه حب الحياة ، ان تلون البيت لأجله بالتوليب والجوري بدل " البمبا وقطع الحلوى" المنثورة في كل ارجاء البيت . باختصار : ان يمارس الحب والحياة معها حتى الثمالة ! وأجل انا احبك ويعجبني معك ان اكون امرأة الظل ، ان اكون العشيقة والحبيبة على مر السنين ! كل منا يحب الاقنعة وحياتنا مسرحٌ كبير من الدمى ، ولا احد يجرؤ على خلع الاقنعة الا من يقنع اخيراً بأن كل واحد منا رجلاً ام امرأة امتلك حتى ولو بغفلة منه عالمين ! وأعرف وبحكم التاريخ والأمثلة الاجتماعية المتكررة ان لا رجل يخلص لامرأة واحدة وليس بالضرورة ان يكون خائناً !! أما انا فقررت ان اخلع كل اقنعتي ومقتنعة انا بحبك ونبلك وطيبة قلبك وأعرف وبعد كل ما مررنا من طرقٍ شائكة بأنك حبي الحقيقي المميز على مر السنين ويناسبني هذا الدور في حكايتنا ، فإن كانت حواء الاخرى تسرقك مني كل ليلةٍ فأوراقي ايضاً تسرقني منك ومن نفسي ! وأهوى هذه المسافة من الحرية بيننا ، فأنا اكره العقود والواجبات وجملة " أحبك الى الأبد" وأكره العيش في مجرةٍ تسمى "الواجب" ، الدين، المفروض، المفهوم ضمناً ... لا اطيق العيش في مساحةٍ صغرى تتسع لاثنين فقط ، عندها اشعر بالاختناق ، لذا لك وحدك ولحبري أخلص وأعتز بك لأنك صرت جزءا من صوتي وثلاث ارباعٍ من قلبي ، اما الربع الاخير فأتركه لي وحدي ، ولا اجمل من النوم فوق سريرٍ يضمني وحدي ولا اروع من ان ابدأ يومي بفنجان قهوةٍ ترافقه في الهاتف اوركسترا ألحان اشواقك وأحبك.. وأحبك !