السبت، ٩ رمضان ١٤٣٣ هـ

لأنك عربي تستحق الحياة

" لقد ثُرنا على الانكليز، على الفرنسيين، على الذين استولوا على بلادنا وحاولوا استعبادنا، وقاسينا في هذا السبيل ألواناً من العذاب، ةتكبدنا انواعاً من الخسائر، وضحينا كثيراً من الارواح، ولكن عندما تحررنا من نير هؤلاء ، اخذنا نستقدس الحدود التي اقاموها في بلادنا بعد ان قطعوا اوصالها " ونسينا معنى القومية العربية وصرنا نزغرد على شرفات بيوتنا الآيلة للسقوط لأننا بتنا فلسطينيين وسوريين وعراقييين... ومثلما تعددت الزلازل التي ضربت الامة العربية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم فقد تعددت الاتفاقيات ايضاً وبدل ان تثور حميمية العروبة فينا، ثار الضمير الثمل فينا والعهر السياسي والركوع الجديد للزعامة الامريكية الاسرائيلية ! هو جاهلٌ وغبي من يظن بأن الثورات في العالم العربي اليوم وفي سورية خصوصاً هي من صُنع الشعوب، وليس تقزيماً لهمّة شعوبنا العربية حاشا وكلا، انما واقعيةٌ اخاف ان اتلمس نهايتها المأساوية، فلا يجوز ان نسمي المؤامؤة الجديدة والفتن الداخلية ثورة، ولا يجوز ان نعبث بمشاعر بعضنا ونسمي بذور الطائفية التي زرعوها بيننا ثورة ، ولا يجوز ان نفكر بأن زعماء العرب القابعين تحت المظلة الامريكية والذين ظهروا بعد الثورات سيحررون فلسطين ، لأنهم ما عادوا سوى احجار شطرنج مقلوبة على رأسها ايضاً، ولا يجوز ان تغلبنا عاطفتنا كالعادة لنصدق ان الاسلام قد بدأ يغزو العالم من جديد ، ولا يجوز ان نسمي " الناتو" في سورية الجيش الحر وثائر ضد النظام، ولا يجوز ان نغمض اعيننا ونتابع سير يومنا كالقطيع وكأن لا شيء يحدث هنا، فالحرب العالمية الثالثة لا تدق على الابواب لتطلب اذنكم ! عندما يصير مخترع الاحداث وناقلها جسمٌ واحد ومشوه، فعلى الدنيا السلام ، وعندما تتناول الفضائيات العربية الاحداث من منظور واحد لا يكشف كل اوجه الحقيقة والمؤامرة وبتمويل اسرائيلي امريكي فقد فقدَ كل الاعلام مصداقيته .. وكمواطنٍ عربي تريد ان تفهم ما يجري ما حولك اليوم، عليك ان تعود الى كل احداث التاريخ وتقلّب صفحاته لتفهم ما مرّ على امتنا العربية منذ سلطنة الدولة العثمانية وحتى اليوم، وتتابع اخبار الساعة بموضوعية في كل وسائل الاعلام العربية والغربية منها ( فحين كانت الجزيرة مثلاً تبث على شاشاتها سقوط احد اعمدة النظام في سوريا ، كانت التايمز البريطانية قد نشرت تقريراً مفصلاً حول ماهية الجيش الذي يحارب الاسد في آخر عواصم العرب عنفواناً وحضارة ، كما وكنت ستقرأ حول الأجور التي يقبضها الجندي الغربي من دولته معاشاً لحربه المقدسة في سورية) ، ثم عليك ان تفكر لمصلحة من كل هذا ؟ ولكي تفهم ذلك، اليك بعض المعطيات والأحداث التي جرت خلال " الخريف" العربي : 1) سيطرة الولايات المتحدة على الآبار النفطية في الدول العربية وفي العراق وسورية تحديداً . 2) نزاع علماني اسلامي على الدستور التشريعي في تونس. 3) مقابلات الاخوان المسلمين المستمرة لأعلام السياسة في الولايات المتحدة قبل صعودهم للحكم في مصر وبعد صعودهم ايضاً. 4) مصادر اسرائيلية عليا تحذر مواطنيها من ارتياد تركيا خوفاً من( هجمات ارهابية) على حد قولها واتهام المسلمين السلفيين في حادثة بلغاريا . 5) مستوى العلاقات الاقتصادية السياسية بين اسرائيل والاردن ومصر والامارات وقطر والبحرين لهو الاكثر نجاحاً خلال الخمسين سنة الاخيرة. 6) ازدياد الميادين الاستخباراتية الاسرائيلية الجديدة في تركيا والسعودية وسيناء وارتفاع عدد ضباط مخابراتها العسكرية بنسبة 25% بحسب صحيفة " يديعوت احرونوت". وبما انك من النخبة ولا تريد ان تكون مُستَهلِكاً و مُستَهلَكاً لأفلام الطائفيين الجدد والأحلام الوردية عليك ان تطرح الاسئلة من حولك دوماً، وسؤالك لماذا كل ما يحدث في وطننا العربي ولمن المصلحة في تقويض دعائمه من الداخل ، اجابك عليه اكبر بروفيسور مخضرم في اسرائيل " باري روبين" في مقالٍ مفصلٍ له في الثالث عشر من الشهر الجاري "بأن وضع دولة الاحتلال امنياً هو افضل حالاته في ظل اقتتالنا الداخلي، فحين تكون الشعوب العربية منقسمة على ذاتها داخلياً ومعطلة اقتصادياً تكون اسرائيل تزداد ازدهاراً عسكرياً وبلوماسياً"... وإن شئتم ستكون خارطة اسرائيل الكبرى قد اكتملت حتى لو كانت سياسياً واقتصادياً فقط، وافتحوا هذه الخارطة لتجدوا اني على حق وهنا الخطر الأعظم ! فحين تنوي اسرائيل القيام بحربس قادمة في ظل النزاع على الهيمنة الاقليمية الثلاثية : تركيا- ايران- اسرائيل ستكون كل الدول العربية التي تعرضت للمؤامرة معطلةً فكرياً قبل ان تكون معطلةً اقتصادياً وطائفياً ايضاً وهكذا تضمن النصر القادم وبكل بساطة خصوصاً وانها تمتلك اقوى الاسلحة في العالم فتكاً ، حتى لو كان معظم جيشها من المرتزقة ، هذا ان لم تكن قد انتصرت اصلاً ، والانتصار لا يكون بالضرورة عسكرياً . ألم تسأل نفسك ماذا سيحدث بعد سقوط النظام في سوريا وسائر ما تبقى من السيرك العربي المكهرب؟ ستكون الهيمنة الامريكية الاسرائيلية هي الاقوى من نوعها في تاريخ هذا القرن ، وبعد انهيار كل النظام في سورية سيبدأ الاقتتال الطائفي السوري الداخلي بالتفاقم ليشترك معه الاقتتال اللبناني ومن ضمنه حزب الله طبعاً، وماذا عن السلطة الفلسطينية؟ وماذا ستفعل ان قررت اسرائيل ضم الضفة والقطاع وفرض هيمنتها على كل اراضيها؟ وبكلمات بسيطة لا اريد تلويثها اقول : ماذا ستفعل سلطة فلسطينيو وهي ما عادت سوى واجهة مشوهة لشعبٍ معذب وجهةٍ مضحكة لدفع الرواتب لا غير! لماذا لا تستقيل السلطة الفلسطينية من منصبها المخجل المبكي بعد ان اثبتت عجزها عن تحريك ساكن وبعد ان اضحت غير شرعية لمرور ست سنوات على تنصيبها ؟ وتظل اسئلة نجيب عازوري تحيرني ، فماذا فعل العرب برأس مالٍ زمني قدره الى الآن اكثر من مائة عام ؟ واين هي اليقظة العربية؟ ويقول : " هو سؤال اقرب الى الفكاهة السوداء، لأن السادة والاتباع والرعية وفيالق الحكمة آثروا جميعاً الرحيل الى ما قبل الازمنة الحديثة، متشوقين الى الارحام الدافئة حيث العشيرة والقبيلة والطائفة والطائفية، وكل ذلك الفقر العميم الذي باركته لغة ما بعد الحداثة .. وكل الأشياء تنتهي الى السبات والتداعي " ! يبقى السؤال : ما العمل وما هو الحل الآن ؟ ان حل القضية الفلسطينية والاحتفاظ بحق العودة وفتح الحدود بين الدول الشرق اوسطية والعربية خصوصاً والعودة الى القومية العربية لهو الحل الوحيد وذلك لا يتم الا اذا استقرت الدول العربية فكرياً اولاً وابتعدت عن الطائفية البغيضة واتحدت سياسياً واقتصادياً واتخذت لها عملة واحدة وكونت علاقات وحدوية ودبلوماسية فيما بينها .. ثورة العقل اولاً، والجمهورية العربية ثانياً والعيش بسلامً ثالثاً، وأخيراً فلأنك عربي تستحق الحياة !

الأحد، ٣ رمضان ١٤٣٣ هـ

لا حلفاء في السماء

رسمتنا الأساطير قبل ان نفكر ان نرسمها في مخيلتنا، رسمتنا شعباً واحداً لا يفكر، لا يطور، لا يقرأ وان قرأ سينقسم على نفسه الى طوائف ومجموعات تنادي بإلغاء الآخر خوفاً منه او من الحقيقة المكبوتة ، وعُلّقت لوحتنا السوداء هذه وسُميت بالبنط العريض " القومية العربية النائمة" وصدّقنا الجنية .. كنا نسمى بالشعوب السّامية المتحدة وبتنا نسمى بمتخلفي هذا العصر الذي لا يرحم حتى الأموات منا ، فهم يبيعوننا ديناً سياسياً وكذباً ونحن نبايعهم بالخلافة من خلف ستارٍ دون ان نشعر وان شعرنا قليلاً نأخذ حبة " منّوم" ونعود لنومتنا الأبدية، نصدّقهم ونصدق وعودهم ورائحة اسلحتهم الفاسدة الصدئة التي يبيعوننا اياها بخبثٍ وعبقرية ونحن نفرح بلعبة المفرقعات الجديدة ، لا لشيء الا لأننا اعتدنا حلم اليقظة والفرح الوهمي ! ظَلمنا التاريخ حين شكّل هويتنا فوق هذه الأرض معاً ، ارض الخيرات والقدسية والهلال الخصيب والأيام الخوالي وصلاح الدين ، ظَلمنا كثيراً حين زرع في قلوبنا الخوف من كل ما هو غربي او مجهول او دنيوي ( ايه يا رجل حاسب ملاك على اليمين وملاك على الشمال بيسجلك) ! لقد فضّلنا منذ الأزل غرس رؤؤسنا في الأرض كالنعامة والتغني بأمجادٍ مضت قبل اكثر من الف عام ولن تعود طالما لازال باب العقل موصداً ومفتاحه في كتاب الشجاعة او في جعبة الغربي وحده .. لا ادري لماذا تخطر في مخيلتي صورة التقاتل الشبه خفي بين آل سعود والشريف حسين في 1925 وصراع كل واحد منهم على ان يكون خليفة المسلمين او الملك صاحب العرش بشكل او بآخر .. وهاهو التاريخ يعيد نفسه مرة ثانية فيشترينا الغرب بحفنة دولارات ويعيد تقسيم المنطقة من جديد بعد ان اختلف ميزان القوى العالمي ، والمهم كل المهم لدينا هو الكرسي الملتصق بمؤخرات زعامةٍ هزيلة فاسدة ومدعيةٍ للدين والرجولة والعروبة والشرف ، فلماذا لم ينتخب ملايين الثوار مجلساً انتخابيا وسط ميدان التحرير، وكوّن بعدها حكومة انتقالية ثم انتخب مندوبيه؟ كيف اشترت الولايات المتحدة اصوات المصريين بثمن رغيف خبز لتجدد تحالفها القديم مع الاخوان المسلمين لتضمن مصالحها؟ وكيف تضيع ثورة ملايين هكذا بلمح البصر ببعض البخور والأحاديث وادعاء وجوب حكم الله؟ ثم لماذا تريد الولايات المتحدة تحالف الاخوان المسلمين؟ هو سؤال بسيط جدا فمنذ عام 2004 بدأت الادارة الامريكية مخططاتها لإعادة تشكيل خارطة الشرق الاوسط ومن اهم اولوياتها اضعاف الصين وتود التمهيد للانسحاب من الشرق الاوسط تدريجياً ليتسنى لها حل مشاكلها الداخلية ومستوى معيشتها الذي بدأ بالانخفاض بسبب تردي الاحوال الاقتصادية ووجود الاخوان في مصر طبعاً سيثري مصالحها وسيثيريها ضد الصين وروسيا ، ومن هم افضل من الاخوان للقيام بذلك؟ يخفون القومية تحية قبعة الاختفاء وينصبّون دعاة الدين علينا وينشرونهم في الشرق الاوسط وإلا فلماذا تعززت علاقة الاخوان "بالسي اي ايه" مع صعود عبد الناصر الى الحكم؟ ولماذا نجدهم بعلاقة وثيقة مع المخابرات البريطانية منذ عشرينات القرن العشرين ؟ ولماذا تقابل محمد مرسي مع نائب وزير الخارجية الامريكي في مطلع هذه السنة؟ولماذا عقدوا الاجتماعات والمحادثات معهم قبل الانتخابات المصرية بقليل؟ بسيطة جداً يتسلون بعقولنا ويخططون لتنصيب المتأسلمين في مصر وتونس وسوريا وتركيا وفي كل بقعة يستطيعون اليها سبيلا ! وكيف تسخّر روسيا للعالم صورة سورية بأنها حرب اهلية وطائفية وهي من يقتل شعبها ويحمي مرايا الأسد؟ يلحّن الغربي لنا على وتر سمائنا الحساس ويفرّقنا كما يفرق القطيع تماماً بين سنّي وشيعي ، ومسلم وقبطي ، وسلفي وبهائي ، وناصري وكلبي وجحشي ، ويكفيه هذا اللحن ليستولي على بلاد عروبتنا المنسية وأرواح ضحايانا ولون دمائنا حتى، والتي اثبتت انها حمراء كباقي شعوب هذه الأرض .. ونحن نقف مكاننا منذ الف سنة وأكثر ونمسح الجوخ ليل نهار وندّعي الحضارة والثقافة ونتغنى بأمجاد الرازي وابن سينا مع ان الاول فارسي والثاني أوزباكستاني اي ليسوا عرباً اصلاً ونعيش ونحلّل ونحرّم قشرة السيجارة ونفتتن بجنةٍ وعدونا بها وكذبوا وبنارٍ غير موجودة اساساً ! قال الماغوط: " الغرب وضع الانسان العربي امام خيارين : البوط العسكري او العمامة ، اخذوا سيفي كمحارب وقلمي كشاعر وريشتي كرسّام وقيثارتي كغجري فماذا اقول لهم اكثر مما يقول الكمان للعاصفة؟ لا يوجد عند العرب شيء متماسكٌ منذ بدء الخليقة حتى الآن سوى القهر والوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع، والإرهاب لم يترك لي فرصةً لأحب احداً حتى الله " ! وأنا اقول لكم اليوم كيف للعربي ان يتحرر وعقله لازال عالقاً بكل ما هو ممنوع او حلال او حرام ، وحتى وإن دخلت الرصاصة في صدره وهو صائم سيسألك جيرانه ان افطرَ ام لا !!! كيف ينام الضمير العربي هكذا وبكل ببساطة ولا يدافع عن اخيه ؟ ولماذا يُدفن الشعب السوري حياً ولا يجد مقبرةً ينام نومته الأبدية فيها باحترام، أي امة هذه التي صارت تحتقر حتى موتاها الا امتنا العربية؟ ولنقل ان الشعب العربي في منطقة الشرق الاوسط يعاني من تردي الاحوال المعيشية والمادية، اين هي شبه جزيرة العرب؟ اين هم خلفاء الامة والخليج العربي؟ أذكر اني قد قرأت قبل يومين فقط احدى وثائق ويكيلكس والتي كشفت ان اميراً سعودياً ابلغ السفير الامريكي بأن عائدات مليون برميل نفط يومياً تتوزع بين ستة امراء فقط ، وتبلغ ثروتهم اكثر من تريليون دولار اي اضعاف اضعاف الناتج المحلي للسعودية بأكملها، فأين هي النخوة العربية؟ وأين تذهب كل هذه الاموال؟ لا ونعود ايضاً لننصب المفتي فلان والشيخ علّان اولياء لله على الارض وعلى عقولنا ونتبارك بهرطقاتهم التي لا تنتهي ، ونبايع آل هارون الرشيد وآل مصعب بن بن بن.. وننتظر رحمة السماء ! ألا ترون انه تقسيمٌ جديد للمنطقة " وسايكس بيكو" بحلة جديدة؟ لماذا تكرهون انفسكم الى هذا الحد؟وعلى ماذا تتقاتلون؟ يكفيكم طعناً بالأخوّة والإنسانية، يكفيكم ذبحاً لهذا الوطن ! " إن العلم قادرٌ على مساعدتنا لتخطي هذا الخوف الذي سيطر على عقول البشر لأجيال طويلة، وهو وحده من سيجعلنا نتخطى عقدة الخيالات والبحث عن حلفاء وهميين في السماء"، فهل تستيقظون؟