السبت، ١٣ ربيع الأول ١٤٣١ هـ


زوجي ليس رجلاً

ستائرُ غرفة النوم الساكنة، فراش الزوجية البارد صيفاً شتاء، عطور وردٍ ذابل تسلقت جيدها العاجي، ليالي السهاد التي لا تنتهي، دموع الحزن الملتهبة والتي تشعل عيون الشموع من حولها
وبكاءٌ يتناغم مع كل لحنٍ حزين وتأرجح نجوم اليأس والملل على شرفة صدرها الذي لا يتزين سوى بتنهداتها المتواصلة مذ عرفت حقيقته وأدركت اخيراً سبب استعجاله لإتمام مراسم زواجهما...
هو طقسُ حدادٍ يومي اعتادت اتقانه كل ليلةٍ بنظرتها المنكسرة المقهورة امام استبداد غروره وتحليق طيور عينيه القاسيتين في سماء قلبها الذي بدأ يموت يوماً بعد يوم وجفاف اوردتها فلا تسمع منه كلمة حلوة ولا حتى كلمة شكر ابداً، الا يكفي انه اخفى عنها عجزه عن القيام بواجباته الشرعية في الفراش؟؟
لم تدم خطبتهما سوى أسبوعين انطلقا بهما كمن يمتطي جواداً يعدو دون توقف لإتمام عش الزوجية وتحضير الاحتفالات باليوم المنتظر، ورغم استغرابها الدائم من سكونه المعتاد ومن تمتمات امه الدائمة وهمسات اخوته الملحوظ الا انها لم تأبه ابداً فكل همها كان تأسيس عائلة خاصة بعد ان تجاوزت الخامسة والثلاثين، ولعل شعورها بالحاجة الى من يحمل الرسالة من بعدها ورغبتها باستمراريتها عبر طفل يلبي شعورها الطبيعي بالأمومة هو الذي جعلها تغض البصر عن كل تلك الغرابة التي كانت تحيط بذاك الزواج الذي ادخلها القفص بسرعةٍ غير اعتيادية!!
صعقها تيار الحقيقة بعد ليلتهما الاولى، وتوسلت اليه طالبة منه مراجعة الطبيب في كل فرصة هدوء سانحة بينهما، غير ان غروره الذكوري الاناني منعه من الاستجابة لرجائها المتكرر، وكان هذا دافعاً قوياً لنمو اسوار الاشواك والخلافات بينهما حتى انقطع حبل التواصل اخيراً بعد مرور عدة اشهر لم تخلُ من الشجارات وحتى العنف الجسدي احياناً فقد حاول اخفاء عجزه بلكماتٍ حقيرة لم تعينه على اسكات رغباتها ونداء روحها المكسورة ...
انه ليس رجلاً ولم يكن كذلك يوماً .. لا لعدم قدرته على القيام بواجباته الزوجية وحسب بل ورفضه للذهاب للعلاج ولعدم اكتراثه لأي جزء من معاناتها، لأنه لا يحترمها ..يشتمها، يضربها، يلعن قبور اجدادها، يعود ثملاً كل ليلة ويتركها كالكلبة تأكل لوحدها، تنام لوحدها ولا يسمح لها بالخروج الا لبيت اهلها ومتى شاء!
وأخيرا بدأت تفكر بالطلاق ملياً، لكن اشباح الافكار بدأت تطاردها ليل نهار فماذا سيقول الناس عنها بعد ان تتطلق ولم يمض على زواجها سوى بضعة شهور؟ وكيف ستدعها امها تواصل حياتها الطبيعية إن عادت اليها مطلقةً وهي القاسية التي رددت على مسامعها دوماً " ان المرأة عشر عورات فإن تزوجت ستر الزوج واحدة، واذا ماتت ستر القبر التسع عورات المتبقية"، اذن كيف ستواصل الحياة مع امرأة تؤمن بقول جائر كهذا؟
وكيف ستسلم من تحرشات شباب القرية ومضايقاتهم المتكررة لها؟ واي صديقة ستستقبلها في بيتها بعد ان تتطلق وهن اللاتي كن يغرن منها حتى قبل ان تتزوج وكن يخشين على ازواجهن منها فجمالها الفتان كان مغناطيسا يجذب أي رجل ! ثم ما الذي ستستطيع فعله في مجتمع متخلفٍ لا يرحم، خاصة انها لم تتعلم شيئا ولا تتقن أي صنعة باستثناء الطهي والواجبات المنزلية المعتادة، اضف الى كل ذلك انها تكاد تكون متأكدة ان زوجها لن يطلقها حتى لوتعلقت بحبال نجوم السماء نفسها !
هي افكارٌ دارت في محيط قلبها وعصرت نبضها عصراً لكن خوفها من نار المواجهة واعصار النبذ المتوقع ارغمها على تناسي الفكرة رغم كل الحرمان الذي تعيش به ومع كل ذلك فهي لم تسلم ابدا من لسان اقرباء زوجها وتلميحاتهم لها بأنها عاقر فأخلاقها النبيلة لم تسمح لها بفضح زوجها امام أي مخلوق كان فهي ذاقت مرار المجتمع كله باعتبار الموضوع فضيحة وأي فضيحة!!
وهذا كله دفعها للتفكير بطرق ملتوية لم تفكر بها يوما حتى لجأت اخيرا الى اقامة علاقة غير شرعية مع ابن الجيران الذي لم يبلغ السابعة عشرة بعد الى ان ضبطت اليوم بالجرم المشهود حين عاد زوجها من العمل ووجدها متلبسة في الفراش مع ابن الجيران فجن جنونه واستل سكين المطبخ وقام بقتلهما ثائراً لرجولةٍ لم يمتلكها يوماً، فانطلقت الاحتفالات وعلى صوت الزغاريد واذاعت امه في القرية خبر بحثها لابنها عن عروس بينما يقضي فترة حكمه المشرفة فصفقوا يا سادة يا كرام وزوجوه فهو" رجلٌ والرجالُ قليلُ "!