الأحد، ٢٢ يوليو ٢٠١٢
لا حلفاء في السماء
رسمتنا الأساطير قبل ان نفكر ان نرسمها في مخيلتنا، رسمتنا شعباً واحداً لا يفكر، لا يطور، لا يقرأ وان قرأ سينقسم على نفسه الى طوائف ومجموعات تنادي بإلغاء الآخر خوفاً منه او من الحقيقة المكبوتة ، وعُلّقت لوحتنا السوداء هذه وسُميت بالبنط العريض " القومية العربية النائمة" وصدّقنا الجنية ..
كنا نسمى بالشعوب السّامية المتحدة وبتنا نسمى بمتخلفي هذا العصر الذي لا يرحم حتى الأموات منا ، فهم يبيعوننا ديناً سياسياً وكذباً ونحن نبايعهم بالخلافة من خلف ستارٍ دون ان نشعر وان شعرنا قليلاً نأخذ حبة " منّوم" ونعود لنومتنا الأبدية، نصدّقهم ونصدق وعودهم ورائحة اسلحتهم الفاسدة الصدئة التي يبيعوننا اياها بخبثٍ وعبقرية ونحن نفرح بلعبة المفرقعات الجديدة ، لا لشيء الا لأننا اعتدنا حلم اليقظة والفرح الوهمي !
ظَلمنا التاريخ حين شكّل هويتنا فوق هذه الأرض معاً ، ارض الخيرات والقدسية والهلال الخصيب والأيام الخوالي وصلاح الدين ، ظَلمنا كثيراً حين زرع في قلوبنا الخوف من كل ما هو غربي او مجهول او دنيوي ( ايه يا رجل حاسب ملاك على اليمين وملاك على الشمال بيسجلك) !
لقد فضّلنا منذ الأزل غرس رؤؤسنا في الأرض كالنعامة والتغني بأمجادٍ مضت قبل اكثر من الف عام ولن تعود طالما لازال باب العقل موصداً ومفتاحه في كتاب الشجاعة او في جعبة الغربي وحده ..
لا ادري لماذا تخطر في مخيلتي صورة التقاتل الشبه خفي بين آل سعود والشريف حسين في 1925 وصراع كل واحد منهم على ان يكون خليفة المسلمين او الملك صاحب العرش بشكل او بآخر ..
وهاهو التاريخ يعيد نفسه مرة ثانية فيشترينا الغرب بحفنة دولارات ويعيد تقسيم المنطقة من جديد بعد ان اختلف ميزان القوى العالمي ، والمهم كل المهم لدينا هو الكرسي الملتصق بمؤخرات زعامةٍ هزيلة فاسدة ومدعيةٍ للدين والرجولة والعروبة والشرف ، فلماذا لم ينتخب ملايين الثوار مجلساً انتخابيا وسط ميدان التحرير، وكوّن بعدها حكومة انتقالية ثم انتخب مندوبيه؟ كيف اشترت الولايات المتحدة اصوات المصريين بثمن رغيف خبز لتجدد تحالفها القديم مع الاخوان المسلمين لتضمن مصالحها؟ وكيف تضيع ثورة ملايين هكذا بلمح البصر ببعض البخور والأحاديث وادعاء وجوب حكم الله؟
ثم لماذا تريد الولايات المتحدة تحالف الاخوان المسلمين؟
هو سؤال بسيط جدا فمنذ عام 2004 بدأت الادارة الامريكية مخططاتها لإعادة تشكيل خارطة الشرق الاوسط ومن اهم اولوياتها اضعاف الصين وتود التمهيد للانسحاب من الشرق الاوسط تدريجياً ليتسنى لها حل مشاكلها الداخلية ومستوى معيشتها الذي بدأ بالانخفاض بسبب تردي الاحوال الاقتصادية ووجود الاخوان في مصر طبعاً سيثري مصالحها وسيثيريها ضد الصين وروسيا ، ومن هم افضل من الاخوان للقيام بذلك؟ يخفون القومية تحية قبعة الاختفاء وينصبّون دعاة الدين علينا وينشرونهم في الشرق الاوسط وإلا فلماذا تعززت علاقة الاخوان "بالسي اي ايه" مع صعود عبد الناصر الى الحكم؟ ولماذا نجدهم بعلاقة وثيقة مع المخابرات البريطانية منذ عشرينات القرن العشرين ؟ ولماذا تقابل محمد مرسي مع نائب وزير الخارجية الامريكي في مطلع هذه السنة؟ولماذا عقدوا الاجتماعات والمحادثات معهم قبل الانتخابات المصرية بقليل؟
بسيطة جداً يتسلون بعقولنا ويخططون لتنصيب المتأسلمين في مصر وتونس وسوريا وتركيا وفي كل بقعة يستطيعون اليها سبيلا !
وكيف تسخّر روسيا للعالم صورة سورية بأنها حرب اهلية وطائفية وهي من يقتل شعبها ويحمي مرايا الأسد؟
يلحّن الغربي لنا على وتر سمائنا الحساس ويفرّقنا كما يفرق القطيع تماماً بين سنّي وشيعي ، ومسلم وقبطي ، وسلفي وبهائي ، وناصري وكلبي وجحشي ، ويكفيه هذا اللحن ليستولي على بلاد عروبتنا المنسية وأرواح ضحايانا ولون دمائنا حتى، والتي اثبتت انها حمراء كباقي شعوب هذه الأرض ..
ونحن نقف مكاننا منذ الف سنة وأكثر ونمسح الجوخ ليل نهار وندّعي الحضارة والثقافة ونتغنى بأمجاد الرازي وابن سينا مع ان الاول فارسي والثاني أوزباكستاني اي ليسوا عرباً اصلاً ونعيش ونحلّل ونحرّم قشرة السيجارة ونفتتن بجنةٍ وعدونا بها وكذبوا وبنارٍ غير موجودة اساساً !
قال الماغوط:
" الغرب وضع الانسان العربي امام خيارين :
البوط العسكري او العمامة ، اخذوا سيفي كمحارب وقلمي كشاعر وريشتي كرسّام وقيثارتي كغجري فماذا اقول لهم اكثر مما يقول الكمان للعاصفة؟
لا يوجد عند العرب شيء متماسكٌ منذ بدء الخليقة حتى الآن سوى القهر والوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع، والإرهاب لم يترك لي فرصةً لأحب احداً حتى الله " !
وأنا اقول لكم اليوم كيف للعربي ان يتحرر وعقله لازال عالقاً بكل ما هو ممنوع او حلال او حرام ، وحتى وإن دخلت الرصاصة في صدره وهو صائم سيسألك جيرانه ان افطرَ ام لا !!!
كيف ينام الضمير العربي هكذا وبكل ببساطة ولا يدافع عن اخيه ؟ ولماذا يُدفن الشعب السوري حياً ولا يجد مقبرةً ينام نومته الأبدية فيها باحترام، أي امة هذه التي صارت تحتقر حتى موتاها الا امتنا العربية؟ ولنقل ان الشعب العربي في منطقة الشرق الاوسط يعاني من تردي الاحوال المعيشية والمادية، اين هي شبه جزيرة العرب؟ اين هم خلفاء الامة والخليج العربي؟
أذكر اني قد قرأت قبل يومين فقط احدى وثائق ويكيلكس والتي كشفت ان اميراً سعودياً ابلغ السفير الامريكي بأن عائدات مليون برميل نفط يومياً تتوزع بين ستة امراء فقط ، وتبلغ ثروتهم اكثر من تريليون دولار اي اضعاف اضعاف الناتج المحلي للسعودية بأكملها، فأين هي النخوة العربية؟ وأين تذهب كل هذه الاموال؟
لا ونعود ايضاً لننصب المفتي فلان والشيخ علّان اولياء لله على الارض وعلى عقولنا ونتبارك بهرطقاتهم التي لا تنتهي ، ونبايع آل هارون الرشيد وآل مصعب بن بن بن.. وننتظر رحمة السماء !
ألا ترون انه تقسيمٌ جديد للمنطقة " وسايكس بيكو" بحلة جديدة؟
لماذا تكرهون انفسكم الى هذا الحد؟وعلى ماذا تتقاتلون؟
يكفيكم طعناً بالأخوّة والإنسانية، يكفيكم ذبحاً لهذا الوطن !
" إن العلم قادرٌ على مساعدتنا لتخطي هذا الخوف الذي سيطر على عقول البشر لأجيال طويلة، وهو وحده من سيجعلنا نتخطى عقدة الخيالات والبحث عن حلفاء وهميين في السماء"، فهل تستيقظون؟