الجمعة، ٨ يونيو ٢٠١٢

ميرا عوض وبساط المؤسسة الاسرائيلية

استفزتني الممثلة "ميرا عوض" في الفترة الاخيرة بعد اطلاعي على آخر مقابلاتها وشعاراتها الرنانة التي لا تتغير فكلها تصب في حِجر مدح الدولة ومؤسساتها ، واستفزني اكثر مناداة البعض بمقاطعة" ليالي الناصرة" او منع ميرا من المشاركة . ونادراً ما يستطيع احد ما اثارتي او استفزازي ! قلت بيني وبين نفسي من " نحن" ومن "هي" وفكرت كثيراً قبل كتابة هذا المقال خشية التجريح بأحد خصوصا " ميرا" نفسها بعد كل الانتقادات اللاذعة التي تلاحقها ، فنحن اولاً وأخيراً بشر ! وقررت ان احاول ان اكون موضوعية وحيادية قدر الامكان ! سألت نفسي عشرات الاسئلة : لماذا هي بالذات ؟ ولماذا نحن؟ ولماذا تهاجم "ميرا" في كل مرة تظهر فيها ؟ ألأنها امرأة ؟ ألأنها ناجحة؟ ألأننا نشعر بأن المؤسسة الاسرائيلية تهيمن على كل شيء خاصة على بعض فنانينا ؟ ولماذا نطالب بالمقاطعة؟ الأننا نخشى سماع الرأي الآخر ام لأن قلوبنا الصادقة ترفض تقبل ان احدا ما من بيننا قد قرر الانطلاق العبثي بعيداً عن الجماعة ؟ او لأن وطنيتنا لا تسمح لنا بتصديق ما تراه اعيننا بأن طاقة فنانة من فناناتنا تباح وتستغل ضدنا ولصالح المؤسسة الاسرائيلية ؟ وهنا لن اطيل الاسئلة اكثر ولن اسهب في الاجوبة لأنني لا احب المزاودة على وطنيتي ولا على وطنية الغير ولكن من يعطينا الحق بمقاطعة احد او منعه من الغناء لمجرد خلافنا معه في وجهات النظر او المواقف او نمط العيش ؟و الجواب : لا احد ! انما تظل لدينا " سوسة" الضمير الجماعي كوننا فلسطينيين اولاً واخيراً وهذه هي النقطة الاهم لدينا والتي تميز وجودنا هنا : مسؤؤلية حمل الهم الجماعي الوطني الفني والثقافي . ولأنني لم اعتد ابداً الكتابة حول موضوع ما قبل مراجعته ودراسته ، راجعت وعلى مدار بضعة ايام " بروفيل" ميرا عوض وأعمالها ، فمن هي ؟ ولماذا تثار حولها كل هذه الضجة ؟ " ميرا" هي ابنة الرامة مواليد 1975 والتي درست الفنون والأدب الانجليزي لمدة سنتين في جامعة حيفا ثم الموسيقى في كلية " ريمون" للجاز والموسيقى وأول اعمالها المسرحية المغناة " اذكر" ، ولديها العديد من الاغاني والأعمال والأدوار ، وتعرف نفسها على انها مغنية وممثلة وفنانة ، واشتهرت بدورها في سلسلة " شغل عرب" الذي يعرض على القناة الثانية ، والذي يمثل بشكل او بآخر صورة العربي السلبي ، الاحمق، السطحي والتافه الذي يطمح " للرقي الاسرائيلي المزعوم" او لمسح الجوخ حتى ينال من الحب جانب ! في عام 2000 صرحت " ميرا" بإحدى حفلاتها في نيويورك بحسب جريدة "هآرتس"في وقتها بأنها " من وقت اللينش بطلت فلسطينية وأنها انسانة وبدها تعيش لا اكثر ولا اقل " ! وفي عام 2009 كان العدوان الآثم على غزة وأطفالها ، وفي نفس التوقيت تحديداً شاركت " ميرا" زميلتها الاسرائيلية " نيني" في الغناء في مسابقة " اليوروفيجين"، وخدمت الدعاية الاسرائيلية المفبركة بالتعايش العربي الاسرائيلي والتي صدقت " ميرا" بأن التعايش هو مجرد " حمص وفول وبطيخ مبسمر "بين الشعبين لا اكثر ! وكأننا لا نعاني التمييز هنا ؟ وكأن اراضينا لا تصادر كل يوم؟ وكأن بيوتنا لا تهدم ابدا ؟ وكأننا لا نرفض في القبول للوظائف المرموقة والمراكز المهمة والمؤثرة فقط لأننا عرب ؟ وكأن كل شيء على ما يرام لدينا !! ولا انسى ذاك الموقف الذي تناولته الصحف والمواقع المحلية حول موافقة " ميرا" على الدعوة العامة التي وجهت لها من قبل المنظمة الصهيونية العالمية للغناء في الاحتفالات باستقلال اسرائيل التي اقيمت في لندن ولم تتراجع الا في اللحظة الاخيرة ! ودارت احاديث بعدم معرفتها اصلاً بحسب قولها ! واستغرب هل هي الحماقة؟ او الغرور؟ او فعلا تصديق الكذبة في اللاوعي لدى "ميرا" هو ما يدفعها الى هذه المشاركات؟ او ان حب الظهور والانخراط في كل ثقب ممكن في لوح الاعلام الاسرائيلي هو ما يدفعها الى ذلك؟ يؤلمني جداً ان " ميرا" وامثالها شريحة في اقليتنا لا ترى ابعد من انفها وكل همها الشاغل هو غزو الاعلام والمجتمع الاسرائيلي والتعشيش بينهم ! وأجل انا اوافق بأن وضعنا في داخل هذه الدولة هو وضع معقد وشائك ، فنحن بنظر هذه الدولة لسنا سوى مواطني درجة عاشرة تحت الصفر ، وبنظر اخوتنا في الدول العربية جواسيساً او خونة او ما شابه ، وبنظر انفسنا نملك هوية منقسمة على نفسها مئات الانقسامات وندفع ثمن هذه الانقسامات كل يوم ان كان على الصعيد الداخلي او الخارجي او حتى الشعوري لدينا ، لكن هذا لا يعطيكِ الحق " ميرا" انت او غيرك بتشويه صورتنا امام العالم او نقلها صورة مفبركة وكاذبة ! فنحن لا نعيش بوضعٍ جيد كما تدعين او تمثلين ، ولا فضل لأي احد علينا بالتامين الوطني او الخدمات الاجتماعية المختلفة لأننا ندفع ثمنها من ضرائبنا وأجرة عرق جبيننا كل شهر ، وهذه الارض ارضنا ،" وهذا الهواء الرطب لي" ، ونحن لسنا مثلك كما تدعين في مقابلاتك الاخيرة بأنه ان اردنا المقاطعة فعلينا مقاطعة الطبيب او الصحفي او مقاطعتنا جميعاً لأننا نتعامل مع المؤسسة ، فنحن نعيش هنا ومن الطبيعي ان نذهب الى عيادة الاطباء العامة التي لا نملك غيرها واجل نتعلم في مدارسنا وتحت ظل حكومة فرضت علينا منهاجاً نرفضه ، لكننا ندافع عن هويتنا كل يوم وكل لحظة ولا ننكرها وايضاً لسنا مثلك لأنك فنانة والفن هو وجه الشعب وحضارته وبما انك تدعين الفن ، فبدل ان تستغلي فنك لنقل صورة واضحة عن معاناة شعبنا وأقليتنا تقومين بمسح الجوخ بكل مناسبة وتتبجحين بكل صولة وجولة بمدح الشعب الاسرائيلي ومؤسسته وأنا ابداً لست ضد اي شعب ومشكلتي ليست ضد الافراد انما ضد الطرح السياسي الفني المغلوط ! وفي احدى مقابلاتك الاخيرة تقولين :" عليهم ان يشكروني فبفضلي تعرفوا على اللغة العربية وسط موسكو ومسارح العالم " ، ولأجل الصدق اضحكتني يا " شيخة ، شكراً والله يا ميرا على هالمعروف ، والله يرحمك يا غسان يا كنفاني ويا درويش والله يخليكي يا دلال يا ابو آمنة " ! فاذا كنت انتظر ان تتعرف الشعوب الاخرى علي وعلى لغتي من خلال هذه الصورة المشوهة التي تقدمينها والأغاني الضعيفة التي لا تختلف عن كل " الهيفاوات ، والماريات ، والدانات " لاستأجرت اول رحلة الى القمر وما عدت ابداً ! ويؤسفني ان اخيب ظنك يا " ميرا" فعندما تدعين بأنك تطمحين الى التغيير من خلال الحوار مع افراد الشعب الإسرائيلي وتعرفينهم علينا من خلال ادوارك او اغانيك فأنت مخطئة ومخطئة جداً ايضاً ، فأين هو الدور الحقيقي الذي قمت به ومن خلاله تعرف الشارع الاسرائيلي على جيرانه في القرى العربية ، بل اعطني اغنية واحدة تمثل حلمي بدولة فلسطينية الى جانب اسرائيل قد غنيتها ، بماذا تشاركينني انت بحلمي كعربية فلسطينية؟ ثم عن اي لغة واي تعايش وأي حوار تتحدثين يا "ميرا"؟ هذا الشعب لا يريدنا ولا يريد ان يعرفنا ولا يهتم بمعرفة تاريخنا ولا آلامنا او همومنا ، وحتى من تجدين منهم كذلك ستجدينهم عند اول مواجهة او حرب او عملية يرجعون للدفاع عن يهوديتهم ولا تعنيهم لا اليسارية ولا همومنا ولا حتى جرائم القتل في مجتمعنا كل يوم ، اما نحن فنعيش معهم ونعرف عنهم كل شيء وهم لا يعرفون عنا شيئاً حتى المعلومات الاساسية كالطوائف والديانات المختلفة لدينا والأحزاب وأسماء المدن والقرى والأحداث اليومية التي تحدث في مجتمعنا كل يوم ، وليس لأنهم لا يعرفون انما هم غير مهتمين او معنيين بمعرفة ذلك اساساً فنحن بنظر اغلبيتهم نكرة او شبه شعب يجب ترحيله من حيفا وعكا والناصرة الى الضفة والقطاع او الى السماء السابعة ان امكن ! فأي حماقة هذه ان تعيش مع شعب آخر اكثر من ستين عاماً ولا تفهم لغته او فنه او موسيقاه ؟ هذا الشعب لا يعرف عنا سوى " الحمص" وشخصية امجد الهامشية الحمقاء في " شغل عرب " ! اما عن الفن الذي تقدمين بحسب رأيي فاسمحي لي لأن اكثر من فن الاستعراض والتمثيل انت لا تملكين رغم اني احترم واقدر جداً نشاطك ونجاحك الدائمين ، لكن من يسمع الاغاني التي تقدمين لا يسمع صوتاً مميزاً ولا حتى احساساً صادقاً يوهمني ان ما اسمعه يخرج من القلب مباشرةً ، وغير مطلوب منك كما تدعين ان تكوني دلال ابو آمنة الثانية او امل مرقس ، فأنت تستطعين غناء ما تشائين وليس من الشرط ان يكون شعراً وطنياً ، لكن على الاقل اعطي المستمع احساساً بالصدق فيما تغنين ، وهذا اقل ما يكون! وبما ان الناصرة تحتفل هذه الايام بمهرجان " ليالي الناصرة" الذي ستشارك به ميرا فلم يستفزني سوى اولئك المنددين بمنع " ميرا عوض" من المشاركة في المهرجان ، والذي استفزني هنا هو الدكتاتورية في الفكر والتعبير ، فاليوم تمنع ميرا من الغناء وغداً يمنع احد آخر لسببٍ او بغير سبب ، وبعدها نريد فلان ولا نريد علان ، وهذا بحد ذاته يتعارض مع فكرنا الديمقراطي الحر ! وان كانت "ميرا عوض" تشكل صورة العربي الفلسطيني الذي يريد رمي عقاله وقنبازه وهويته في الخزانة ويضع " الكيباه" ويدور ، فلا يصح ان نقوم نحن بدور الدكتاتور الاعظم فقضيتنا اكبر من ذلك بكثير بكثير لأنها قضية وطن ثم وطن ثم وطن ثم وطن !